تجولت في كتاب "فن اللامبالاة" لمؤلفه مارك مانسون، فوجدت به بعض الأفكار المهمة في الحياة والتي تساعدنا على تجاوز كثير من العقبات في مسيرتنا نحو الموت.. ولقاء الله.
غير أنه تجدر الإشارة في البداية إلى عدم صلاحية الكتاب لصغار السن، ومن لم تدهسهم الحياة بعد، فالكتاب مفيد ربما للذين امتلكوا خبرات متنوعة في الحياة، ويتوهون في زحمة الدنيا، ويأخذون كل شيء على أعصابهم، ودائماً ما يُظهرون للناس مرهقين، متعبين، بائسين، يائسين.
يعتبر "فن اللامبالاة" من الكتب التي صدرت مؤخراً، ونالت شهرة واسعة للعديد من الأسباب، أبرزها في تصوري ما يشهده العالم من معاناة، وكثرة ما يأخذ الناس على أعصابهم؛ فتمنوا أن لو كانوا باردين غير آبهين بما يحدث حولهم في هذا العالم الموحش.
وعربياً.. لأن كثيراً من الشباب رأوا اللاعب المصري محمد صلاح ممسكاً الكتاب بيده، يطالعه!
يسلط الكتاب الضوء على العديد من الأفكار المهمة، لعل أبرزها تهميش بعض ما يقوله ويدعيه المتخصصون في (التنمية البشرية)، فليس كل ما يقال على ألسنتهم صحيح، لا سيما أن الأمر أخذ منحى تجارياً بعض الشيء، فالتطور في الحياة والنمو والارتقاء لا يعتمد فقط على كلمات التحفيز، وبرامج تعزيز الإيجابية، فربما تسهم هذه الأمور في حلول على المدى القصير لكن محال على المدى البعيد.
هذا العالم الموحش الذي نعيش فيه لا يمكن أن نكون فيه باردين تماماً، ولا يجب أن نكون أيضاً منفعلين بشدة، بل يجب أن نعرف حدود إمكاناتنا وأن نتقبلها ابتداءً، ثم بعد ذلك نحاول تنمية ما يمكن تنميته بالعلم والدراسة والكفاح.. إذ يستحيل أن يكون المرء منا متميزاً في كل مجالات الحياة، وسعيداً في كل أحواله.
فبعضنا يعاني من زوجته سيئة الطباع، والبعض يعاني من قلة المال، وبعضنا يعاني من مرض مزمن، ولد عاق، فضلاً عن كثير من الأمور الأخرى، فمن المهم حيال هذه المعاناة وهذه المشتتات الغزيرة التي حولنا أن نحسن اختيار المعاناة التي نريدها، ونركز عليها ونتجاهل ما سواها.. ذلك أن محاولاتنا الدؤوبة لأن نكون إيجابيين في كل شيء يعكس السلبية في أبهى صورها.
تجاهل ما يؤذيك؛ كصاحبك الذي يقابلك مبتسماً ضحوكاً، وهو الذي لا ينفك عن الحديث عنك بسوء من وراء ظهرك كلما سنحت الفرصة، ولا يعلم أنك تعلم أنه يفعل ذلك.
تجاهل زميلك الذي يدسّ لك الدسائس عند مديرك طمعاً في منزلة علم أنه لن ينالها بجهده فقرر أن ينالها بمكره.
تجاهل تصرفات أطفالك السيئة، وزوجتك، وجيرانك، ولا تقف عند كل صغيرة وكبيرة، فقط اهتم بالأمور الكبيرة التي تخدش القيم الأساسية.
تجاهل كل هؤلاء ولكن لا تخرجهم من دائرة حبك لا سيما إن كانوا من أصحاب الفضل يوماً ما.
كذلك من الأمور المهمة التي سلّط الكتاب الضوء عليها قضية (القيم) ولعل من أجمل الجمل التي قالها حول تلك القضية (لا معنى للمعاناة لو كانت دون هدف)، وقد أشار إلى أن القيم التي يختارها المرء لنفسه ستساعده بشكل جيد على اللامبالاة، والتركيز، والشعور بالسعادة، فمن يختار قيمة القناعة لن يكون حاله كحال من اختار قيمة الجري وراء المال، ومن اختار قيمة الكذب لن يستوي حاله مع من اختار قيمة الصدق، ومن اختار قيمة الوقوف في صف الظالم، لن يشعر بالطمأنينة التي يتمتع بها الواقف في صف الحق.
وأخيراً ركز الكتاب على قيمة الموت، معتبراً أن تفكر المرء الدائم في الموت سيجعله مركزاً في اختيار القيم التي تجعله يموت الموتة السوية التي يرضاها لنفسه، وربما لهذا السبب أمرنا رسولنا الكريم أن نكثر من ذكر الموت!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.