الغرباء المتعارف عليهم في مجتمعنا هذا هم من يشدون الرحال إلى بلاد غير بلادهم، لأغراض عديدة، منها الدراسة أو العمل لجلب المال، ويقال عنهم "غرباء"، لأنهم يذهبون إلى بلاد لا يعرفون فيها أحداً ولا يفهمون لغتهم، وفي معظم الأحيان لا تكون معتقداتهم الفكرية شبيهاً بعضها ببعض.
فلا يستريح الغريب مع المتشابهين بعضهم مع بعض ولا هم يستريحون له.
ولكن، اتضح لي أن هؤلاء الناس ليس هم فقط الغرباء، بل هناك غرباء آخرون…
"أصله وعِرقه، رغباته ومعتقداته، يعشق تميزه ويكرهون اختلافه… هذا هو الغريب".
نعم، فأنت يمكنك أن تكون غريباً وسط أصحابك وعائلتك وفي بلدك.
فبمجرد أن تكون مختلفاً في معتقداتك ورغباتك عن عائلتك، فأنت تكون غريباً وسطهم وغير مقبول بينهم، ولا يُشترط أن يكون هذا الاختلاف جذرياً، فهو في معظم الأحيان يكون اختلافاً عن الكلية المستقبلية أو معتقدات بسيطة، ولكن لا أتكلم عن المعتقدات الدينية والجنسية، لأنها مرفوضة بالنسبة لي.
وأيضاً، من الطبيعي عند الشباب أن يحسوا بأنهم غرباء مع أصحابهم، فيتجمع الشباب في المقاهي ويدخنون السجائر والشيشة، ويجلس شخص ما لا يشرب معهم، فيحس بأنه غريب بينهم وهم يحسون بعدم الراحة، لأنه "غريب".
أن تكون غريباً ليس مشكلتك ولا مشكلة الأشخاص الآخرين، بل هو مجرد تفكير مختلف بينكم، لا يستحق أن يحاسَب عليه أي منكم.
فأنت -يا غريب- لديك حل من اثنين، لتنزع عنك لقب "الغريب".
فأما أن تتأقلم معهم، ولكن بالطبع دون تتخلى عن قيمك ومبادئك، فيجب أن تكون "أنت"، ومن السهل أن تجد نقطة متشابهة معهم يقبلونك بها.
وإما أن تذهب إلى أناس آخرين… تفكيرك يشبه تفكيرهم، ويوجد الكثير من المشترك بينكم، فستكون واحداً منهم وليس شخصاً "غريباً". اذهب إلى من يقدرونك ويهتمون بك، فستكون بينهم شخصاً مهماً وليس شخصاً غريباً.
وإن كنت شخصاً ما من المجموعة التي يحس فيها الشخص بأنه غريب، فحاول أن تحسّن هذا الوضع، حاوِل أن تُشعره بأنه ليس غريباً، حاوِل أن تجعل بقية المجموعة تحبه ولا تنفر منه.. سيسير الزمن ويذكر لك هذا "الغريب" كيف احتويته وأحببته عندما كانت الناس تنفر منه، وسيتذكر كيف غيرت له حياته.
فإن الغريب ليس فقط غريب الدار، وليست الغربة هي غربة السفر فقط، فكم من شخص بوسط داره غريب وبين أهله وأحبابه غريب، غريب بفكره وبمنطقه، والأهم بمشاعره تجاههم، يعيش معهم ويتحادث معهم، ولكن يشعر بالغربة.
فأنت يا غريب، ابحث عن وطنك، ولا أقصد المكان، ولكن الأشخاص الذين تحس معهم بأُلفة، فهؤلاء هُم الوطن الحقيقيون. وحاوِل دائماً أن تتأقلم مع الناس، "فالاختلاف لا يفسد للوُد قضية".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.