من بين مجموعة المتطلبات الأساسية لمؤشر ضمان جاذبية الاستثمار، مؤشر المشاركة والمحاسبة، ومؤشر الاستقرار السياسي وغياب العنف، ومؤشر سيادة القانون.
وفي عام 2010، ومع فعاليات انتخابات البرلمان المصري التي أسفرت عن حصول الحزب الوطنى الحاكم على نسبة 83% من المقاعد، بالإضافة إلى وجود نسبة 10% تخص المستقلين الموالين للحزب، لتتبقى نسبة 3% من المقاعد لبقية المستقلين، و3% للأحزاب الأخرى، وهي الانتخابات التي لم تتم تحت الإشراف القضائي الكامل، ولم تسمح السلطات وقتها بفكرة الإشراف الدولي عليها، وشهدت اشتباكات في عدد من اللجان أسفرت عن سقوط قتلى، كما لقيت اتهامات بالتزوير من المعارضة المحلية وشكوك دولية في نزاهتها.. من هنا، فقد رافق فعاليات الحملة الانتخابية لتلك الانتخابات البرلمانية، بدء تزايد معدلات خروج الاستثمار الأجنبي المباشر من مصر، ليصل خلال الربع الثالث من عام 2010 إلى أكثر من مليار ونصف المليار دولار، وزاد معدل خروج الاستثمارات الأجنبية خلال الربع الأخير من العام، ليقترب من مليار وسبعمائة مليون دولار.
وخلال عام 2011، عام الثورة المصرية، زادت معدلات خروج الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لتصل خلال العام إلى أكثر من 8 مليارات ونصف المليار دولار. وشهد هذا العام ظاهرة لم تحدث من قبل بمجال الاستثمار الأجنبي في مصر، وهي أن قيمة الاستثمارات الخارجة من مصر كانت أعلى من قيمة الاستثمارات الداخلة، ليسفر العام عن عجز بصافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وزادت معدلات خروج المستثمرين خلال عام 2012، لتتخطى 8 مليارات ونصف المليار دولار.
خروج الاستثمار المباشر والحافظة
ولم يختلف الحال مع استثمارات الأجانب بالحافظة والتي تتنوع ما بين الاستثمار بالبورصة المصرية وشراء أذون وسندات الخزانة المصرية، حيث تحوَّل الفائض بصافي استثمارات الحافظة للأجانب بمصر خلال الربعين الثاني والثالث من عام 2010، إلى عجز بلغ أكثر من مليار و300 مليون دولار، نتيجة خروج الأجانب خلال الربع الرابع من العام.
وفى عام 2011 ازدادت كثافة خروج الأجانب، لتتجاوز 10 مليارات دولار خلال العام، واستمر العجز بصافي استثمارات الحافظة للأجانب عام 2012، وإن كان بوتيرة أقل.
والخروج نفسه من مصر كان حال استثمارات الأجانب في أذون الخزانة المصرية، والتي بلغت أرصدتها أكثر من 11 مليار دولار في سبتمبر/أيلول 2010، لتتجه خلال الشهور التالية إلى الانخفاض التدريجي حتى بلغت نحو مليار و300 مليون دولار بنهاية عام 2011، ثم إلى أقل من 123 مليون دولار فقط عام 2012.
وإذا كانت الانتخابات البرلمانية لعام 2010 قد جرت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، فقد بدأ خروج الاستثمارات الأجنبية قبلها ببضعة أشهر، نتيجة المعلومات التي يحصل عليها هؤلاء المستثمرون، سواء من الإعلام الاقتصادي الدولي أو من سفارات بلادهم أو من بعض أصحاب النفوذ من المصريين، الذين يعمل بعضهم مستشارين لتلك الشركات.
طفرة في خروج الأجانب بالشهور الأخيرة
ومن هنا، فقد يمكن الربط بين الطفرة التي حققتها الاستثمارات الأجنبية المباشرة الخارجة من مصر، خلال الربع الثالث من العام الماضي (2018)، وهي آخر بيانات منشورة، لتصل إلى مليار و773 مليون دولار، ومعدل نمو تجاوز 40%، سواء بالمقارنة مع الربع نفسه من العام الأسبق، أو بالمقارنة مع الربع الثاني من العام الماضي (2018).
وهو رقم كبير لم يحدث منذ الربع الثاني من عام 2016، وقت شدة أزمة سعر الصرف وسيطرة السوق السوداء عليه، وصعوبة تحويل الشركات الأجنبية أرباحها إلى الخارج.
وإذا كان شعور المستثمرين الأجانب بالانسداد السياسي في النصف الثاني من عام 2010 قد دفع الكثيرين منهم إلى الخروج من مصر، فإن التعديلات الدستورية التي سيقرها البرلمان المصري الصوري أشد تأثيراً سلبياً في الحياة السياسية المصرية، حين تعني تعطيل مبدأ تداول السلطة الذي ضحى المصريون من أجله بالمئات من الشهداء خلال ثورة الخامس العشرين من يناير/كانون الثاني 2011.
كما يرافق قرار تمديد الفترة الرئاسية العديد من القيود التي تمتد إلى الإعلام والقضاء، وهو ما يجعل أثرها على تعطيل الحياة السياسية المعطلة أصلاً، أشد مما حدث في النصف الثاني من عام 2010، وهو ما يمكن معه تصور تكرار سيناريو خروج عدد من المستثمرين الأجانب، سواء بالاستثمار المباشر أو استثمار الحافظة.
تصنيف غير استثماري لمصر
ويعزز ذلك تصنيف مصر غير الاستثماري من قِبل مؤسسات التصنيف الائتماني الرئيسة الثلاث، حيث يصل تصنيفها حالياً إلى درجة "B" لدى "ستاندر آند بورز" ودرجة "B" لدى "فيتش"، ودرجة "B3" لدى "موديز"، وكلها درجات عالية المضاربة.
ولعل هذا يفسر تراجع قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر خلال فصول العام الماضي (2018)، وتركُّزه في الاستثمارات البترولية، وندرته بمجالات الصناعة والزراعة التي يحتاجها المصريون، لتوفير فرص العمل، وتوفير السلع والخدمات لتقليل ارتفاع نسبة التضخم.
وربما يقول البعض إن ما نقوله يتعارض مع ما نُشر عن إعلان شركة مرسيدس عودتها للاستثمار بمصر، وهو أمر يحتاج إلى تريث؛ ترقباً لما ستسفر عنه الأمور، حيث كانت "مرسيدس" تضغط على الحكومة المصرية لحل خلاف ضريبي مع وكيلها في مصر، وهو ما تمكنت من الحصول عليه، وقد قالت إنها ستعود من خلال وكيل محلي تبحث عنه، للاتفاق معه وربما لا تجده، خاصة أن صناعة تجميع السيارات في مصر تمر حالياً بفترة من الركود، بسبب إلغاء الجمارك على السيارات الواردة من دول الاتحاد الأوربي، وهو ما جعلها أرخص نسبياً للمستهلك، ودفع كثيراً من شركات تجميع السيارات المصرية إلى تأجيل استيراد مكونات التصنيع خلال شهر فبراير/شباط الحالي؛ نظراً إلى ضعف المبيعات منذ الربع الأخير من العام الماضي (2018) وحتى الآن؛ ومن ثم فإن الظروف المحلية ليست مهيأة لعودة "مرسيدس" حالياً.
نقطة أخرى هامة، وهي عدم استطاعة رجال الأعمال المصريين التصريح إعلامياً بما يمرون به من مصاعب، وهو ما يجعل الصورة الحقيقية لواقع الأعمال غير واضحة، في ظل إعلام الصوت الواحد، والمنافسة غير المتكافئة التي يتعرضون لها نتيجة توسُّع الجيش في كثير من الأنشطة الاقتصادية، وهو ما يجعلهم يُؤثرون الصمت، أو يصرحون بما يُرضي الجهات الرسمية؛ خشية تنكيل السلطات بهم ووضع العراقيل أمامهم، كما حدث مع رئيس شركة راية القابضة وغيره، حتى صرح بأنه سيتجه إلى الاستثمار خارج مصر؛ في ظل ما يلاقيه من تعنت.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.