تفتح الحياة أبوابها على مصراعَيها فتدخل الحشود الغفيرة، تتوالى الولادات بسرعة مذهلة، ويشتد التزاحم للمرور والدخول لميدان الحياة، لكن السؤال الذي يطرح: هل سوف يظل هذا التزاحم ريثما نصل إلى وسط الحياة ونقف أمام تحدياتها؟
تحديات الحياة التي تواجهنا في أن نكون نحن رغم الأعاصير والرياح التي تحاول أن تُغيرنا أن تجعل منا صوراً أخرى نراها أمامنا في المرايا، ونستغرب كيف لبضع سنوات، أشهر، أيام، أو ساعات، أن تجعل منا شخصاً آخر أو أن تعرفنا بالمقابل بشخص آخر لم نعرف أنه كان موجوداً حذونا، داخلنا، قربنا، بين الجنبين شخصاً متجسّداً كان أم خيالاً، عندما نكتشفه نشعر وكأننا وُلدنا من جديد، ووُضعت لنا هوية تحمل ميلاد مكان وزمان، وأوصاف تعنينا، ونشعر أنها منا ونحن نمثلها.
مرت عشرون سنة منذ أن دخلت الحياة، لا أعلم إن كنت دخلتها من بابها الكبير أم لا، لكن كل ما أعرفه أنني دخلت.
بعد سن العشرين أُعلن أن كل المفاهيم تغيرت، عشرون سنة لا تعني شيئاً في التقويم التاريخي للأمة، هي مجرد فاصل في جملة تاريخية..
في تونس بدأت حكايتي، لا يهم من أي بلد أنتم، ولكن ما يهم هو أن حكايتي تشبه كل حكاياتكم، لكن كل منا يرى الحياة من زاويته، منا مَن يجود بكرمه ويحاول توسيع نطاق بحثه، ومنا من لا يأبه لا بالزاوية ولا بالباب المفتوح أمامه.
نحن متشابهون في بحثنا عن التغيير، كلنا نريد حياة جيدة، منزلاً، سيارة، وعملاً نحبه ونريده، كلنا نريد أن نعيش قصة حب استثنائية تباغتنا في زخم الحياة دون أن نتوقع حصولها. كل شخص في هذا العالم يريد فرصة؛ لكي يغير حياته، وأن يكون سعيداً، مع العلم أن كلمة سعيد تشبه الحياة، فكل شخص يرى السعادة من زاويته الخاصة.
نحن نريد الحياة، لكن في طريقنا نحوها ننسى أن نعيشها، وننسى أن نتحمل المسؤولية، وأن نكون شجعانَ لمواجهة المجهول، نريد أن نصل بأقصى سرعة وننسى أن الطريق الصحيح هو الأطول، دوماً نريد عملاً جيداً، ولكن لا نعمل ولا نحب ساعات العمل المتعبة.. نريد منزلاً ولكن لا نعرف مفهوم الانتماء. من منا لا يحلم بأن يقع في الحب، لكن هل نحن نحب أنفسنا بما يكفي لكي نحب أحداً آخر أو بأن نعي بمدى صدق نظرات أحدهم نحونا.
كلنا نريد فرصة ثانية، نريد أن يغفر لنا أن تعطينا الحياة أملاً في كل هذا الملل الجارف، لكن هل نحن مستعدون حقاً للمجازفة والمراهنة؟ هل نحن مستعدون أن نعطي الآخرين فرصة لكي يحبونا، لكي يثبت أنهم أخطأوا، لكنهم ندموا، فرصة لكي يعبروا عما يخالجهم، فرصة لكي يكونوا أشخاصاً جيدين في حق أنفسهم وفي حقنا.
صدقوني أنا أيضاً لا أملك أجوبة على كل هذه الأسئلة التي طرحتها "وما أُبرئ نفسي"، والتي أعلم جيداً أنكم ترددونها لكن من زاوية نظر مختلفة. أنا باحثة عن الحقيقة طالما ستشرق شمس كل يوم وتلامس وجهي كل يوم.
ما أريد قوله أنه يجب علينا أن نبادر، وألا نقف مكتوفي الأيدي، يجب علينا أن نعمل بجد وأن نملك من الصبر والإصرار الكافي؛ لأن الحياة لا تفرق بيننا، نحن من نختار نوعية الحياة التي نريد، وأهم شيء أن نعطي فرصة ثانية، فرصة ثانية لأنفسنا، ولكل منهم حولنا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.