انطلقت ثورة 25 يناير يوم الثلاثاء في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني عام 2011 نتيجةً لتراكم الفساد والاستبداد في دولة مبارك، وكان اختيار هذا اليوم لتوافقه مع عيد الشرطة، في ظل قانون الطوارئ الذي عانى منه المواطن المصري الكثير من الظلم والانتهاك لحقوقه الإنسانية، التي تمثّلت في طريقة القبض والحبس والقتل.
وقد مهّدت هذه الانتهاكات، والقبضة الأمنية الغاشمة، وسوء الحالة الاقتصادية، وتزوير انتخابات 2010 بشكل فجّ، لاندلاع ثورة يناير، وكان من أسباب خروج الشباب على نظام مبارك، قبل اندلاع الثورة، مقتل الشاب خالد سعيد في منطقة سيدي جابر بالإسكندرية في 6 يونيو/حزيران 2010، حيث قام أفراد الشرطة بضربه حتى الموت أمام العديد من شهود العيان، ثم توفي شاب آخر، وهو السيد بلال أثناء احتجازه في مباحث أمن الدولة بالإسكندرية، وترددت أنباء عن تعذيبه بشدة، وانتشر على نطاق واسع فيديو يُظهر آثار التعذيب في رأسه وبطنه ويديه.
وبعد حادثة خالد سعيد قام الناشط وائل غنيم، والناشط السياسي عبدالرحمن منصور بإنشاء صفحة "كلنا خالد سعيد" على موقع فيسبوك، ودعا المصريين إلى التخلص من النظام وسوء معاملة الشرطة للشعب.
وحينما قامت ثورة يناير رفعت شعارها "عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية"، وأعلنت أهدافها واضحة في ميدان التحرير، وأدت هذه الثورة إلى تنحي الرئيس مبارك عن الحكم في 11 من فبراير/شباط2011 ، حيث أعلن عمر سليمان، في هذا اليوم السادسة مساءً، بياناً مقتضباً تخلي الرئيس عن منصبه، وأنه كلّف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة محمد حسين طنطاوي بإدارة شؤون البلاد، وقد أعلنت أغلب القوى السياسية التي شاركت في التظاهرات قبل تنحي مبارك عن استمرار الثورة حتى تحقيق الأهداف الاجتماعية التي قامت من أجلها. ولكن بعد تنحي مبارك تغيّرت الأمور، وتبدلت الأحوال، وانقسمت تلك القوى وتشرذمت، ما ساعد العسكر على الهيمنة مرة أخرى!
هل حققت ثورة يناير أهدافها؟
لقد نجحت بالفعل ثورة يناير في التخلص من حسني مبارك، وعلّمت العالم أن الشعوب لا تسكت على الظلم والقهر، وعرف الشعب المصري كيف يثور ويُغير ويرفض الواقع مهما كانت النتائج، وضحى فيها المواطن بحياته من أجل إعلاء القيم وتحقيق العدالة.
ولكن في ذكرى ثورة يناير يبقى السؤال؟ هل حققت الثورة أهدافها التي ثار الشعب من أجلها، وضحى الآلاف بدمائهم لتحقيقها؟ للأسف الثورة لم تؤتِ ثمارها، ولم تحقق المبادئ التي قامت من أجلها حتى الآن، فالناس لا تملك خبزها، ولا تتمتع بالحرية التي كانوا يطمحون إليها، ولا يشعرون بالكرامة الإنسانية التي خرجوا وثاروا من أجلها.
بل ترتب نتيجة للتراجع الذي أصاب القوى السياسية والتكتلات الشبابية، بفقدان روح يناير التي جمعت الجميع، ووحّدت كل المصريين باختلاف توجهاتهم وأطيافهم ضد الظلم والاستبداد، مما هيأ الفرصة سانحة للثورة المضادة التي استخدمت كل الوسائل، ولا تزال، لمحو آثار هذه الثورة وتشويه صورتها، وسجن وقتل كل من يدعو إلى تحقيقها، أو المطالبة بها. ووصل هذا النظام إلى الحالة القصوى من الاستبداد والديكتاتورية، وإهانة المواطن المصري في كل مكان، بل للخيانة بكل معانيها؟!
فالحكم العسكري وحصاده المرّ يتسع ويشمل كل شيء، فالأسعار تلفح الجميع، والسجون تكتظ بعشرات الآلاف من الأحرار من كل الأطياف، والسيسي يبيع الأرض جهاراً نهاراً، ثمناً لبقائه على مقعدٍ لا يستحقه، والمصانع والشركات تضج بشكوى أصحابها وعمالها. ومع إدراك الجميع لخطورة استمرار الحكم العسكري، وما جرّه من ويلات، تتجدد آمال وطموحات لاستعادة مكتسبات ثورة يناير، وتحقيق كامل أهدافها، عبر استعادة روح الثورة التي جمعتنا ميادينها من قبل.
هل يمكن استعادة روح يناير؟
الثورة التي تُغيّر ملامح التاريخ لن تكون نهايتها سهلة ولا نتائجها مرضية، وتحقيق القيم التي قامت من أجلها الثورة تحتاج الى وقت وإلى رغبة صادقة لتنفيذها.
فالثورة الفرنسية التي قدمت قيم الحرية والإخاء والمساواة للعالم كله أعقبتها حرب أهلية وسفك للدماء، ولكي ننأى بمصر عن كل هذه الصراعات لا بد أن نستعيد روح يناير من جديد.
فهل يمكن أن نتناسى الخلافات الفرعية، والقضايا الهامشية، وننتقل فوراً إلى العمل المشترك، والهدف الواحد، وهو إزاحة هذا النظام العسكري المستبد، الذي جثم على قلوب المصريين لعقود، وانقلب على المسار الديمقراطي، وأدى إلى تدمير كل مؤسسات الدولة، وتقزيم دولة كبيرة مثل مصر، وإهدار وانتهاك حقوق المصريين؟ فالجميع يلاحظ أن نيران الثورة المضادة عادت بكل عنفوانها وأدواتها، من جديد، وتنتقم من الجميع!
فلا يزال هناك الكثير من المواقف المطلوب تحقيقها لكي تؤتي الثورة التي كان ينتظرها الشعب المصري بثمارها، فيجب تصحيح المسار، ومواجهة التحديات بتوحيد الجهود ونبذ الخلافات، ولا يجب أن يكون لليأس مكاناً في النفوس رغم الحرب الشرسة على ثورة يناير وأهدافها، وكل مؤيديها دون استثناء لأحد.
وللثورات عادة موجات متتالية لا تتم في يوم واحد أو أسبوع أو شهر، أو أحياناً سنوات، وهناك موجات ثورية مستمرة حتى الآن، فالجانب الرومانسي من الثورة انتهى بالوقوف في الميدان ورفع الأعلام والشعارات، إلى أن وصلنا الآن لجهاد النفس المُتمثل في تعقّب المفسدين والمستبدين والقضاء عليهم، ولا بد لتحقيق أهداف الثورة في الفترة القادمة من الاستمرار في الأفعال الجادة، وعلينا أن نأخذ القرارات بحسم، والتصرف بقوة لتنفيذها لأن الفترة المقبلة لا تحتمل التهاون.
فنحن أمام نظام عسكري استحوذ على السلطة بالانقلاب على المسار الديمقراطي، وبرهن الجنرال السيسي على أنه أكثر قمعاً من حسني مبارك، الذي أسقطته ثورة يناير، وهو مُفلس يعتمد على حقن نقود سخية من دول الخليج، وبدرجة أقل على المساعدات العسكرية الأمريكية.
ولم يكتفِ الجنرال السيسي بكل ذلك بل يسعى بكل السبل لتمديد فترة رئاسته لفترات مفتوحة، باستخدام كل أدواته الإعلامية، للتلبيس على الناس، وتمرير التعديل الدستوري من خلال برلمان صوري صنعته مخابراته لخدمة أغراضه، حتى يُظهر للعالم أنه يأتي بطلب شعبي!
هذا النظام الذي يقمع شعبه ويرتكب كل هذه الجرائم التي ترصدها يومياً منظمات حقوق الإنسان لم يبق لديه ما يستتر خلفه سوى اتهام كل معارضيه بالإرهاب، والحقيقة أنه هو الذي يمارس الإرهاب بكل أشكاله، ويحاول أن يُظهر للعالم أنه في حرب ضد الإرهاب، لضمان بقائه في السلطة المُغتَصبة.
ومن ثمّ على كل المخلصين من داخل مصر وخارجها الاتفاق على رؤية واضحة لإزاحة هذا الجنرال المستبد؛ لأن استمراره سيزيد من تدمير مصر والمنطقة برمتها، لوقوفه ودعمه للمشروع الصهيوني، وهذا ما عبّر عنه في لقائه مع قناة (CBS) الأمريكية دون خجل، أو اعتبار لشعبه، أو خوفاً من غضبته!
وأيقونة التغيير لن تخرج بعيداً عن الشعب المصري، فهو الوحيد القادر عن تغيير المعادلة رغم كل العقبات والتحديات، في الداخل والخارج، ولن يكون للمجتمع الدولي أي تحرك إلا إذا تضررت مصالحه.
في ذكرى ثورة يناير يجب أن يفهم الجميع ذلك، ولتتوحد الرؤى، وتتكاتف الجهود بكل أطيافها، دون استثناء لأحد، للتخلص من هذه الأنظمة الفاسدة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.