بعد أن فرَّقتهم السياسة كثيراً، وفعلت فعلتها في قطع كامل للعلاقات بينهما والتي امتدت آثارها لتشمل كل شيء "السياسي والاقتصادي والاجتماعي"، ها هي الرياضة الشعبية الأولى في العالم تمد يدها لمحاولة "رتق"، ولو القليل من الثقوب التي ظهرت في الجسد الخليجي، وبالتحديد في العلاقات بين دولتي قطر والسعودية.
لقاء رياضي رسمي وتفوُّق تاريخي للأخضر السعودي
يأتي هذا اللقاء ضمن الجولة الثالثة والأخيرة في المجموعة الخامسة لبطولة كأس الأمم الآسيوية 2019 والمقامة بالأراضي الإماراتية. المنتخبان قبل هذه البطولة وهذه المباراة بالتحديد، لم يلتقيا، سواء بصورة رسمية أو ودية، على مدار عامين ونصف العام، هي الفترة التي شهدت قطع العلاقات بينهما بشكل رسمي ومن دون أي حل يلوح في الأفق.
ولكن قوانين الاتحاد الآسيوي ومسار البطولة رسما للمنتخبين قَدَراً آخر بحتمية اللقاء بينهما، لتحديد متصدّر المجموعة بعد ضمان تأهلهما إلى الدور القادم قبل هذه الجولة؛ ومن ثم لا بد من تنفيذ قواعد البطولة وحساباتها بتحديد متصدر المجموعة، لمعرفة كلا المنتخبين خصومه في الدور القادم.
وبالنظر إلى التاريخ الرياضي واللقاءات بين المنتخبين، نجد أن هنالك تفوقاً كبيراً للمنتخب السعودي في "38" مباراة لُعبت بين المنتخبين، حيث فاز المنتخب السعودي في "17" لقاء وتعادلا في "15" مرة، في حين فاز المنتخب القطري بـ"6″ لقاءات فقط، حيث تعتبر معظم لقاءات المنتخبين في بطولة كأس الخليج، فقد تواجها في "21" مباراة ضمنها.
لقاء تحديد متصدر المجموعة ومآلات الجماهير
لا تخفى على أحدٍ حدةُ الخطاب السياسي والرسمي والشعبي منذ اندلاع الأزمة بين البلدين في عام 2017، حيث تم سنُّ الكثير من القوانين، خاصة من الجانب السعودي، والتي تجرم كل من يبدي تعاطفاً أو انحيازاً -ولو عفوياً- إلى الجانب القطري، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وهذا سينعكس بصورة أساسية على لقاء المنتخبان في هذه البطولة على المستوى الجماهيري ودرجة التفاعل التي ستنعكس بأي نتيجة تخرج بها هذه المباراة، وهذا ما نراه جلياً قبل المباراة بأيام بعد "الهجمة" الشرسة من الجماهير السعودية على تذاكر هذه المباراة بالتحديد في رسالة من الجانب السعودي لتأكيد التفوق من على مقاعد الجماهير قبل إنطلاق صافرة البداية.
والملاحظ للمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي يرى أن هنالك مباراة أخرى بدأت تُلعب خارج الملاعب وهي حالة التراشق اللفظي بين جماهير المنتخبين وبعض الجماهير الأخرى التي تتعاطف مع هذا الطرف على حساب الطرف الأخر وهذا ينبئ بأن الخطاب السياسي لهذه المباراة تفوق على الخطاب الرياضي مما يجعلنا نتوقعها مباراة مشحونة بين الطرفين على ارض الملعب.
مسار المنتخبن في البطولة حتى الآن
مثلها مثل جميع المباريات التي لعبتها المنتخبات في هذه البطولة فإن ما حصل خلال المباريات السابقة لم تعطي فكرة واضحة عن من هو المرشح الاقوى لنيل هذه البطولة، من واقع أن جميع الفرق المرشحة خاصة العربية منها لم تصدر بوادر كافية يمكن الحكم عليها وعلى قوتها ومدى إمكانية منافستها على اللقب خاصة وان منتخبات غرب وشرق آسيا أيضاً لم نرى منها الكثير خاصة المنتخبات مثل الصين واليابان.
اما عن المنتخب السعودي فثقله في القارة الاسيوية يعطيها دائماً بطاقة المرشح البارز للقب حتى وإن لم يبدى إي إشارات لذلك، فالفوز على لبنان وكوريا الشمالية ليست مقياساً بالتأكيد على قوة المنتخب السعودي وهي ليست سبب لان "ينوم" المدرب أو الجماهير عليها وتصدير "إشارات" لقوة المنتخب فالطريق لا زال طويلاً للحكم على هذا الأمر وهذا الأمر يبدأ من مواجهة المنتخب القطري القوى والمتطور.
فالمنتخب القطري وإن لم يكن من المرشحين البارزين للقب الأسيوي إلا وقياساً على تاريخها ومسارها في هذه البطولة حتى الآن فهي ليست مواجهة بضغوطات وحراك جماهيري كالذي موجود في المعسكر السعودي فالهدوء هو عنوان المنتخب القطري.
فوز "العنابي" على منتخبي لبنان وكوريا الشمالية وإيداعها لثمانية أهداف منها "ستة" أهداف في مرمى المنتخب الكوري وحده من شأنه أن يرسل إشارات معنوية هائلة للمعسكر القطري خاصة وأن هذا المنتخب كل الآمال موضوعة عليه لفعل شيئ ما في المونديال القادم والذي تستضيفه الأراضي القطرية بعد أقل من أربعة أعوام من الآن وهو الهدف الأكبر لمسئولي وجماهير الرياضة في قطر.
إذاً لماذا تكتسب هذه المواجهة كل هذا الإهتمام؟!
إذا تواجه المنتخبان في بيئة وظروف أخرى غير التي يمر بها البلدان فهي عبارة عن مباراة يمكن أن نطلق عليها "مباراة الأشقاء" وإحتفالية أكثر منها تنافسية لآن المنتخبان ضمنا بالفعل التأهل للدور القادم مع افضلية رقمية للمنتخب القطري بتصدر المجموعة بفارق الاهداف ومعنوية لأن الفريق القطري لم يسبق له تجاوز دوري الثمانية في تاريخ مشاركاته في بطولة كأس آسيا ولكن تصدره المجموعة حاليا بفارق الأهداف أمام المنتخب السعودي الفائز باللقب 3 مرات سابقة قد يمنحه دافعا كبيرا على التألق في مباراة اليوم للتأهل للدور القادم متصدراً.
هل نراها بداية الطريق لإصلاح ما افسدته السياسة؟!
بعيداً عن السياسة وقريباً جدا من الرياضة هنالك العديد من الشواهد في العالم التي تخبرنا بأن "مباراة كرة القدم" إستطاعت طوى الكثير من الخلافات بين بعض البلاد المتخاصمة مع بعضها البعض، وهذا ما نرجوه من هذه المباراة لأن لغة الخطاب بين البلدين لم تشهد سوى مزيداً من الحِدة في كل يوم يمر على خلافهما من دون حل.
ولذلك:
فهذه المباراة سواء فازت السعودية أو قطر فهي ليست نهاية المشوار لكليهما فمازال المنتخبان مواجهان بتحدى صعب في الدور القادم، فتصدر إحد المنتخبين سيجعلها أمام إختبار قوي وصدام مع منتخب العراق بتشكيلتها الشابة أو أو منتخب إيران المرشح القوى لنيل لقب هذه البطولة.
بينما تأهل أخدهما ثانياً سيكون مواجه بلقاء من العيار الثقيل بمواجهة إحدى منتخبي اليابان المرشح فوق العادة للقب أو منتخب أوزبكستان المتطور، وبالتالي هذه المباراة بالرغم من "حساسيتها" سياسياً وجماهيرياً ورياضياً إلا أنها لا تسقط حقيقة أنها ليست نهاية المشوار لكلا المنتخبين سواء القطري أو السعودي.
وهذا ما يجب أن يتذكره الجميع "إداريين ولاعبين وجماهير وساسة" فالبطولة ما زالت في بدايتها وأداء ثلاثة مباريات فقط فيها ليس هو الطموح بالتأكيد لكلا المنتخبين فهنالك تصفيات كأس عالم قادم لللمنتخب السعودي ومثل هذا الإحتكاك المتواصل في بطولات عالمية سيفرز مزيد من التجانس بين لاعبيها.
بينما منتخب قطر مطالب بأداء قوي والسير في هذه البطولة لأبعد نقطة ممكنة لمزيد من الإحتكاك أولاً وإكتساب خبرة اللعب في بطولات كُبرى وامام جماهير ستكون أكبر من هذه الجماهير عندما تستضيف كأس العالم في أراضيها بعد ثلاثة أعوام من الآن.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.