حاولت الحكومة المصرية بعد فترة قصيرة من إجراء الرئيس عبدالفتاح السيسي مقابلة مع الإذاعة الأمريكية (CBS) منع بث المقابلة. السيسي الذي دفعه غروره للمشاركة في برنامج "60 دقيقة" سرعان ما أدرك أن الأسئلة، وإجاباته عليها لم تكن هي التي يريد للعالم أن يراها، كانت مشاهدة هذه الحلقة أمراً محرجاً، كان واضحاً عليه أنه لم يكن مستعداً لإجراء تلك المقابلة، والمحاولة التي قام بها فريقه لمنع بث الحلقة جعل الأمر يحصد ضجة أكبر.
كانت المزاعم التي أدلى بها خلال المقابلة عجيبة، إذ قال ادعاءات يعرف كذبها القاصي والداني. قال مثلاً إنه "لا يوجد سجناء سياسيون في مصر"، لكن هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية وعشرات المنظمات الأخرى وثقت عن كثب انتهاكات السيسي لحقوق الإنسان، منذ توليه السلطة في عام 2013. ويعرف الجميع أن هناك أعداداً كبيرة من السجناء من جميع الخلفيات السياسية، إلى جانب السجناء غير المنتسبين لأي تيار سياسي، في السجون المصرية، بما في ذلك الرئيس السابق محمد مرسي (الذي كان لي شرف العمل في حكومته).
لم يتوقف إنكاره عند هذا الحد، فعندما سئل السيسي عن المجازر التي وقعت في ميادين النهضة ورابعة سنة 2013، اعتقد أنه يستطيع الدفاع عن أفعاله بادعائه أن تقرير هيومن رايتس ووتش الدامغ حول عمليات القتل غير "سليم". لقد قتل 800 شخص بدم بارد، بناء على أوامره، لأنهم ارتكبوا جريمة الاحتجاج السلمي. وقد ردَّ على هذا مشيراً إلى أن شبكة CBS لا "تتابع عن كثب الوضع في مصر"، قبل أن يناقض نفسه بالقول إنه "جرَّب كلَّ الوسائل السلمية لتفريق" المتظاهرين.
وبعد أن أنكر سابقاً أن مصر وإسرائيل تعملان معاً في شبه جزيرة سيناء، حيث تدور رحى "الحرب الخفية" التي يخوضها السيسي على المدنيين، والتي ترقى لـ "أزمة إنسانية وشيكة"، اعترف السيسي لـ "CBS" بأنه في الواقع يتعاون وإسرائيل. ففي جهد منه لتصوير نفسه زعيماً حديثاً مؤيداً للعرب ومعادياً لإسرائيل على غرار الجنرال جمال عبدالناصر، أخبر السيسي صحيفة نيويورك تايمز، في فبراير/شباط 2018، أنه لا تجمعه علاقة عسكرية بإسرائيل.
لذا لا ينبغي أن يفاجئنا طلبه لشبكة CBS بإلغاء بث الحلقة. فقد كان يكذب طوال المقابلة، كان عدم ارتياحه واضحاً، كان يتصبَّب عرقاً بشكل ملحوظ، وأصبحت ردوده دفاعية أكثر. فقد بدا في وجه الإعلام الحر محرَجاً وهشاً وخائفاً من أن يُحمّل مسؤولية جرائمه. دأب السيسي الذي يتقوى بدعم ترامب وتسامُح الزعماء الغربيين الآخرين، على الزعم "بأنه يحارب الإرهاب"، معتقداً أن هذا يمنحه تفويضاً مطلقاً ليفعل كل ما يحلو له. لقد ظهر في برنامج 60 دقيقة ظناً منه أنه سيلقى معاملة "الصديق والحليف المقرب للولايات المتحدة"، على حد تعبير ترامب، لكنه وُوجِه بدلاً من ذلك بأفعاله.
كانت محاولة منع اللقاء من العرض فعلاً يائساً مدفوعاً بوهم كبير، إذ ليس هناك حرية صحافة في ظل حكم السيسي الخانق، كما لا توجد حرية تعبير عن الرأي أو الفن أو الأدب. وقد خلقت الحرب التعسفية التي شنَّتها حكومته على كل مَن تعدُّهم معارضين و"أعداء للدولة" جواً وطنياً أشبه بـ "سجن مفتوح"، إلا أن الأساليب التي يملأها جنون الشك والتسلط التي استعملها في مصر لا تصلح للتعامل مع مذيعي الولايات المتحدة. كان السيسي معتاداً على إنفاذ كلمته في مصر بقبضة حازمة وسيطرة مطلقة.
منذ عرضت المقابلة، منعت كل المنصات الإعلامية في مصر من أي تعليق عليها. سيخشى المصريون في مصر حتى التحدث عنها، لكن بالنسبة لأمثالنا ممن يعيشون في المنفى ستكون سبباً آخر لمعارضتنا نظام السيسي.
إلا أن هناك قضية واحدة لا يمكننا التغلب عليها بمفردنا، فطالما بقيت القوى الدولية الرئيسية صامتة سيتمادى السيسي في أفعاله. لقد حرصت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر على أن يكون للغرب مصالح تجارية وسياسية في الشرق الأوسط، حتى إن ترامب قد دعم السيسي، ولهذا يجب على منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الحر الضغط باستمرار على السيسي ليُحاسَب على جرائمه.
سُئل السيسي خلال المقابلة سؤالاً مباشراً عما إذا كان قد أمر بفتح النار على المتظاهرين، ولم يُجب. لكن الإجابة واضحة، فالحقيقة هي أنه مسؤول بالفعل عن القتل الجماعي لرجال ونساء، كثير منهم يافعون صغار السن. على المقابلة الكارثية مع السيسي ببرنامج "60 دقيقة" أن تُنبِّه المستبدين في كل مكان، بأن الشعوب والصحافة في الدول الديمقراطية ستحاسبهم، حتى لو نالوا دعمَ سياسيّي هذه البلاد.
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Washington Post الأمريكية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.