في ظل الانتفاضة الشعبية السودانية الحالية ضد البشير، يأتي اتصال أمير قطر بالبشير ليظهر دعمه للسودان، معربا عن استعداد بلاده لتقديم كل ما يلزم من اجل أن تتجاوز السودان هذه الأزمة، ليعود السؤال الدائم: هل تدعم قطر الإسلاميين؟ فقد سبق البشير محمد مرسي في مصر وحماس قبلهما.
نحتاج لتحليل الموقف القطري أن نعود بالزمن للوراء ما قبل عشرين عاما لنتابع تطور العلاقات القطرية الخارجية وعلاقاتها المتشابكة، ولنكوِّن صورة أوضح لما يجري الآن.
لنبدأ مع السعودية وتشابكات الأزمة معها مع مصر مبارك في واقعة مشهورة، هي موقعة الخفوس بين القطريين من جهة والسعوديين من جهة أخرى في 1992، حيث قامت السعودية بوضع يدها على الشريط الساحلي المسمى خور العديد، وهو الشريط الساحلي البري الواصل بين قطر والإمارات خارج سيطرة الدولة السعودية، وبهذا الشكل تكون قطر محاصرة بريًا بشكل كامل من السعودية، دون أن يكون لها أي حدود برية مع أي دولة أخرى، فتحركت قطر وحدثت مواجهة عسكرية قطرية سعودية أدت لمقتل ضابط سعودي وجنديين قطريين، وأدت لاستيلاء السعودية على هذا الممر الساحلي، وكان يشرف على هذه العملية بشكل مباشر الملك عبدالله في ظل مرض الملك فهد في ذلك الوقت.
هنا يأتي دور مبارك، طالبت قطر بتحكيم عربي، وحدث اجتماع على هامش قمة عربية كانت في السعودية ومبارك كان الحكم في هذا الأمر.
حسب ما أعلمه أن الأمير الوالد حمد بن خليفة وعندها كان وليًا للعهد ذهب إلى مبارك وتحدث معه ومبارك قال له إن هذا الطريق حق لكم، وفي التحكيم سيكون حكمي لصالحكم، ولكن في التحكيم فوجئت قطر أن مبارك حكم للسعودية بأحقيتها في هذا الشريط الحدودي والممر الهام لقطر؛ نظرا لعلاقة مبارك الوثيقة بالنظام السعودي ماليا وسياسيا.
هنا شعرت قطر بالخيانة وعدم قدرتها الوثوق بالأنظمة العربية التقليدية، وحدث الانقلاب الناعم في قطر، وتولى الأمير الوالد حمد بن خليفة الحكم خلفًا لوالده باتفاق كبرى العائلات القطرية؛ بسبب غضبهم من قبول الشيخ خليفة بهذا الحكم الذي يتنازل عن أرض يعتبرونها جزءًا من أرضهم.
ثم حدثت محاولة الانقلاب على حكم الأمير الوالد حمد بن خليفة في عام 1996، التي كانت بدعم سعودي وبمعاونة قبيلة المري التي كانت لها علاقات وثيقة مع السعودية، وبفشل هذا الانقلاب وشعور القطريين بمطامع السعودية فيهم كان عليها أن تقوم بحزمة تحالفات مختلفة تضمن لها دورا سياسيا وحماية أكبر من أن تكون دولة سهلة الافتراس.
كانت هذه نبذة هامة يجب إلقاء الضوء عليها قبل الاستطراد في الحديث عن تشابكات العلاقات القطرية لبيان خلفياتها.
قامت الإدارة القطرية بعدة إجراءات لحماية نفسها من جيرانها، فاتفقت مع الولايات المتحدة لإنشاء قاعدة العديد العسكرية الأمريكية على الأراضي القطرية لتضمن عدم التدخل عسكريا في قطر في المستقبل.
ثم ذهبت قطر لتكوِّن تحالفًا سياسيًا عميقًا مع سوريا وإيران ليسمى محور الممانعة بعد ذلك؛ كي تكون طرفًا سياسيًا في المنطقة لا يمكن تجاهله، ولعبت قطر على مساحة الوسيط السياسي بين الأطراف المختلفة لكونها لا يوجد عندها أزمات تاريخية سياسية مع مختلف أطراف النزاعات المختلفة في المنطقة.
دعونا نتحدث قليلًا عن التحالف القطري السوري تحديدًا – ما قبل الربيع العربي- هل كانت سوريا بشار سوريا البعث نظامًا إسلاميًا لم يكن ولن يكون؛ فكيف لنا أن نفسر التحالف السوري القطري في هذا التوقيت على خلفية دعم قطر للإسلاميين وأنها تدعم الإسلاميين فقط .. في اعتقادي يجب أن ننظر لها على مستويين، المستوى الأول هو بسبب العلاقات الغير ودية بين سوريا والسعودية في هذه الفترة فمالت قطر أن يكون لها علاقات قوية بهذا النظام للدولة العربية الكبيرة لتوازن القوة أمام الأطراف ذات الأطماع فيها ويكون عربيًا.
المستوى الثاني هو إرادتها أن يكون لها صوت سياسي مختلف ومسموع بخلاف الصوت الذي تتزعمه مصر مبارك والسعودية في ذلك الوقت.
وكما قلت سابقًا عملت قطر على المساحات المختلفة التي لم يعمل عليها أحد لعلاقاتها المختلفة فكانت علاقاتها مع حزب الله في لبنان وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين فكانت دائمًا تقوم بدور الوسيط لحل الأزمات المختلفة بعلاقتها بجميع الأطراف؛ ودعم المقاومة بخلاف المواقف العربية الأخرى كما قلت في السابق.
الربيع العربي وآثاره
جاء الربيع العربي بالثورات العربية وكان موقف قطر ملفتًا وسأقوم بالحديث باختصار أتمنى ألّا يكون مخلًا تحديدًا عن ثورتي مصر وسوريا.
فلنبدأ بمصر
عندما انطلقت الثورة المصرية يوم 25 يناير لم يكن أحد يتصور أن تقوم بما قامت به للحد الذي كانت المظاهرات تموج في الشارع المصري يوم 25 يناير كانت الجزيرة تعرض وثائق تتحدث عن سبب وفاة عرفات والحديث عن تسميمه ومقتله.. ولم يكن هناك تغطية تذكر حتى السادسة من مساء ذلك اليوم .
وعندما تنبهت الجزيرة لما حدث أفردت لها تغطية مباشرة ومستمرة حتى نهاية الـ18 يوما بإسقاط مبارك ..
بالطبع النظام القطري كان يرى أن في إسقاط نظام مبارك مكسبا استراتيجيا غير مباشر له لأن أيًا من يأتي بهذه الثورات الشعبية لن يكون بأي حالٍ من الأحوال منتهجًا لنفس نهج هذا النظام بسبب إرادة الشعوب ومخالفتها السياسية للأنظمة العربية في القضايا المختلفة في المنطقة بخلاف العداء التاريخي بين مبارك والنظام القطري منذ أزمة الحدود كما ذكرنا.
هنا يأتي التساؤل لماذا تحالفت قطر مع الإخوان المسلمين دونًا عن القوى الأخرى السياسية الشباب منها أو الاتجاهات الأخرى ..
هنا تأتي الأزمة لا أعتقد أن النظام القطري يتحمل اللوم وحده على هذا الأمر فما أعلمه أن القطريين حاولوا أن يمدوا يدهم للجميع والغالبية ردت يدهم إما خوفًا من الابتزاز السياسي أو استعلاء من أننا لا نتحالف مع أحد..
الإخوان كانوا أكثر براجماتية من أن يفوتوا هذه الفرصة في ظل أنظمة تدعمها الإمارات والسعودية.
نقطة أخرى قطر كانت تريد أن تخرج مصر من عباءة السعودية والإمارات وكان هدفًا لها أن تستثمر الكثير والكثير في مصر الثورة – لا مصر الإخوان – وأن تكون حليفًا للنظام القادم وحسب قول أحد الشخصيات الهامة لي في جلسة جمعتني معه بعد الانقلاب العسكري في مصر أن من مصلحتنا أن تكون مصر قوية وحرة وأن نكون حليفًا لها فهي دولة كبرى ومركزية في الوطن العربي على أقل تقدير لتكون حاجزًا بيننا وبين من لهم مطامع فينا حولنا..
ما جرى هنا قبل حكم الإخوان وفي فترة حكمهم وضعت قطر في خانة داعم الإخوان على الرغم من أنهم لم يجدوا إلا هم للتحالف معهم في مصر.
نأتي لسوريا
دعمت قطر الثورة السورية منذ بدايتها .. نحن نتحدث هنا عن أن قطر اختارت الشعوب بدلا من الاختيار البراجماتي الطبيعي في ظل علاقاتها الوطيدة والعميقة مع النظام السوري فبراجماتيًا اختيار قطر هنا اختيار مضر غير مفيد لها ولكنها انحازت للشعوب بدلًا من انحيازها لمصالحها..
سيثار الحديث عن دعمها للثورة السورية من أجل الإسلاميين .. وهنا عدة نقاط
أولًا: الثورة السورية في بدايتها لم تكن بأي حال ذات صبغة إسلامية ولم يكن الإسلاميون طرفًا فيها.
ثانيا : كيف لدولة أن تغامر بخسارة حليف لها نحن نتحدث عن دولة كبيرة هنا في المنطقة من أجل اتجاه أو جماعة لا يوجد تحليل عقلاني غير مؤدلج يقول هذا.
الثورات المضادة وحصار قطر
بعد الانقلاب في مصر خسرت قطر جميع رهاناتها في ظل موجة الثورات المضادة التي شيطنت قطر عند الشعوب العربية ولا أتحدث هنا عن عموم الشعوب الغير متهمة بالسياسة فقط بل أيضًا كثير من المهتمين بالسياسة والشأن العام وبعضهم مشاركين في الثورات العربية فنجدها متهمة بدعم الإخوان في مصر مرفوضة في ليبيا هزائم متتالية للثورة السورية .. ولا يستمر في التحالف معها إلا الإسلاميين في الدول المختلفة.. يهرب الجميع إلا القليل من التحالف معهم بخلاف الإسلاميين، خوفًا من الوصم والشيطنة.
طالت الثورات المضادة قطر ففي 2014 حاولت الدول الخليجية أن تقوم بما تقوم به حاليًا من حصار وتضييق على قطر ولكن بتفاهمات خليجية ووجود أوباما في الحكم في أمريكا حالت دون حدوث ما يحدث حاليًا .
عند حدوث الانقلاب في مصر وبداية الثورات المضادة شعرت قطر بالخطر واتجهت لإقامة تحالف وطيد مع تركيا الموصومة بالحكم الإسلامي أيضا كدولة كبيرة تستطيع الثقة بها لحمايتها مما هو آتٍ فكان اتفاق الدفاع المشترك والقاعدة التركية في قطر والتي حمت قطر من الاجتياح العسكري الذي كان محضرًا له في 2017 تزامنًا مع بداية حصارها من السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
وأعطى لها ظهيرا سنيًا يمدها باحتياجاتها المختلفة الداخلية وحليف لن يتركها للمحور المعادي له ولها.
نأتي أخيرًا لسودان البشير
هناك مستويين للحديث، على مستوى سياسي واقتصادي، المستوى السياسي قطر في وضع سياسي سيء جدا مع وضعها الإقليمي والسودان حليف مهم في الوسط العربي في ظل الحصار المفروض عليها.. خسارة البشير في هذا التوقيت سيجعلهم عربيا دون حليف خسارة فادحة للقطريين..
أما على المستوى الاقتصادي قطر استثمرت اقتصاديا بشكل موسع في السودان وما زالت تستثمر في ميناء جديد هناك تنشئه بالكامل لتسهيل الاستيراد والتصدير وبشكل أساسي للخدمة عليهم في ظل الحصار كمثال..
في اعتقادي أن قطر ستضخ الكثير من الأموال في السودان كي تتجاوز الأزمة الاقتصادية السبب الرئيس المعلن لهذه الانتفاضة..
قطر لا تريد أن تأخذ نفس خيارها في سوريا مرة أخرى في ظل الوضع الإقليمي والدولي الراهن.. وفي ظل أن هذه ليست المرة الأولى التي تحدث في السودان الانتفاضات ويسيطر عليها البشير ..
في هذه المقالة محاولة لتشريح وتحليل تاريخي للعلاقات الخارجية القطرية وتشابكات تحالفاتها ملقيا الضوء على قراءة للموقف القطري الحالي بعيدًا عن اتفاقنا أو اختلافنا الحالي من الموقف القطري تجاه الانتفاضة الشعبية السودانية التي نقدم لها كل الدعم ونربط على أيديهم فمطالب شعوبنا العربية بالحرية والعدالة الاجتماعية وجب علينا أبناء الثورة أن نقف معها ونساندها فهي الروح التي تسري في بلادنا للكرامة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.