ينتظر الناس النهايات، وفِي نفس الوقت يراقبون البدايات، وبينهما أضاعوا لذة اللحظات.
يعيش الناس بهوس أن يودعوا عاماً فيندبوا حظهم فيه، ويستدعوا تعاسته ليقيموا لها عرساً اسمه: عرس النكبات واللحظات الجميلة التي لم ندركها في هذه السنة، وتمضي حياتنا جميعاً، ونحن نتحسّر على لحظة لم ندرك لذتها، وعلى سنة لم ننجز فيها شيئاً، فعام يخلو من الإنجاز تعني الخسارة ضعفين، لأنه حتماً سيتبع بعام حزن كامل.
يتداول معظم الناس مصطلحات وردت في كتب التاريخ أو كتب السير، أن النبي صلى الله عليه وسلم يُسمّي العام الذي رحلت فيه خديجة وأبوطالب بعام الحزن، وكلنا نعلم أن النبي له صفة بشرية، يشترك فيها مع معظم البشر، فهو يحزن ويفرح وتدمع عيناه، ويتذكر الأحداث القاسية، لكن المبالغة تكمن في تصور أن الرسول يعيش عاماً كاملاً حزيناً، فهذا مخالفٌ حتى لهديه، فهو الذي نهى عن المبالغة في الحزن، وأخبرنا أنه لا عزاء بعد ثلاث، دعوة منه لاستئناف الحياة، والحرص على تقليل عوامل إثارة الحزن، لتبقى عجلة الحياة مستمرة.
نعود لحياتنا اليوم بواقعها الصعب، وفِي أحداث عصيبة تمر بالعالم، فأزمات بلداننا لا تنتهي، أزمة في العراق، وأزمة في اليمن، وأخرى في سوريا، ومثلها في بلدان أخرى تعطي انطباعاً أنه لربما مرّت على العالم سنيّ كسني يوسف عليه السلام، لربما مرت وانتهت وربما لم تنتهِ بعد، وتحدق أنظار العالم على سنوات مقبلة يستقر فيها العالم وليته يستقر.
نقف هنا وقفة قصيرة، ونسأل أنفسنا سؤالاً واحداً، ماذا يعني لك رحيل عام؟
تتعدد الإجابات لا محالة، فالذي خسر مشروعاً في هذا العام فأمنيته أن يعود إلى الوراء لينهي رحلة الخسارة التي مر بها، والذي فقد فرصة ذهبية فغاية الغايات عنده أن يرجع قليلاً يفكر بطريقةٍ أخرى ليستثمر الفرص، ومَن فقد حبيبة يودُّ العودة لأول لقاء لينظر لها جيداً، ويأخذ من حسنها ليداوي بها شقاءه.
تعتبر هذه الإجابات منطقية الى حد ما، لكننا نعلم أن الحياة لا تعود إلى الوراء، بل هي في تقدم مستمر، ولا يستطيع أن تقف عجلتها، وتوقف رحلتك فيها لا يعني توقفها إطلاقاً، واعتزالك لها لا يعدُّ ضربة قاضية في حركتها، ففي كل الأحوال ستنزوي أنت ولن تنزوي هي لانزوائك، الأفضل لك أن تكون فقيهاً وحكيماً في عيشها، فنصف السعادة تلقاها في الحكمة.
تبقى أن الإجابة الأمثل لسؤالك: ماذا يعني لك رحيل عام؟
رحيل عام ليس خسارة كما تتصور، بل هو خبرة تضاف إلى خبراتك في الحياة، فأنت باستطاعتك أن تدرك تجارة رابحة، بعد أن ألفت طرق تلافي الخسارة، فأنت إلى الربح أقرب هذا العام أكثر من غيرهِ، ومضيّ عام يعدُ لك تراكماً في العمل والحرف والمواهب التي تزاولها، ومعلوم أن التراكم يجعل من الإنسان خبيراً في مجال أو علم معين، وانصرام عامٍ ليس نكبة كما تتخيل، بل هو نضجٌ لك ولأفكارك، فالأفكار بمرور الزمن تتغير وتنضج، وتكون أقدر على التعبير عنها من أعوامٍ مضت.
يُقبل علينا عامٌ جديد، علينا أن نحسن استقباله، أن نستثمر لحظاته الجميلة، أن نقضيه مستمتعين به، أن نضحك فيه من كل قلوبنا، أن نُفرح كل من حولنا ولو بكلمة، فالرّحلة إلى النجاح قد تستغرق أكثر من عام.
وختاماً يقول فاروق جويدة: "وإن طال فينا خريف الحياة فما زال فيك ربيع العمر".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.