لم يكن هدف الغرب الأساسي عبر تاريخ توسعاتهم هو امتلاك الأراضي والسطو على ممتلكات المسلمين، بل كان هدفهم الأساسي هو الحرب على الإسلام ومحو الثقافة العربية الإسلامية.
فسقوط الأندلس والاستيلاء على حكمها لم يكفهم، ففي البدء أجبروا المسلمين على تغيير لغتهم بحجة اندماج سكان الأندلس القدامى مع سكانها الجدد، وليسهل التواصل بينهم، فكان الناس يتحدثون العربية داخل بيوتهم ليتعلمها أبناؤهم ولا ينسوا أصولهم وثقافتها، ثم بعدها بدأوا بمصادرة الكتب العربية وتحججوا بأنهم خائفون على أمن البلاد، فكان الناس يدفنون الكتب تحت الأشجار المتواجدة بحدائق منازلهم.
ثم أجبروهم على تغيير دينهم من الإسلام إلى المسيحية، فكان الناس يصلون ويصومون سراً، كانوا يحفظون أبناءهم القرآن في أقبية المنازل.. كل الفروض والسنن حاولوا أن يؤدوها بسرية، إلا أنهم كانوا يتحصرون أثناء موت أحدهم لكونهم عاجزين على تغسيله وتكفينه إذ كانت السلطات تكشف على الميت قبل دفنه..
حتى الإمبراطورية العثمانية السبب الأساسي وراء سقوطها هو أن الغرب استطاع حقن الطلاب داخل جامعات الإمبراطورية العثمانية بأفكار تعاكس قيمهم الإسلامية التي وحدتهم طيلة قرون، مما أدى إلى تفشي الصراعات الفكرية والطائفية نظراً لانقسام الشعب بين متدينين، فاشيين وشيوعيين.
مما سهل على القوى الغربية إضعافها والإطاحة بها.
أثناء الحرب على البوسنة كان الصربيون يشقون بطون البوسنيات الحوامل لكي لا يزداد مسلم آخر..
كان البوسنيون يقومون بدفن كل شيء كتب باللغة العربية، سواء كان قرآناً أو كتاباً أو حتى مجلة عادية في قوائم البيوت ويصبون عليها الإسمنت حتى لا يجدها الشيوعيون، وليعثر عليها أبناؤهم أو أحفادهم من بعدهم، رغم أنها لم تكن لغتهم لكن فقط لأنها لغة القرآن. ونفس الشيء تكرر في باقي دول البلقان.
في فلسطين ورغم عقود من الاحتلال، المليئة باغتصاب للأراضي والممتلكات..
اعتقالات للأهالي، محاصرة للمدنيين، توسع للاستيطان والقصف المستمر.. إلا أنهم لم يتنازلوا عن ثقافتهم العربية الإسلامية، لم يتنازلوا عن أولى القبلتين وثالث الحرمين رغم أنها إرث إسلامي يخص كل المسلمين، رغم تخلي كل المسلمين عن حماية الأقصى والدفاع عن القضية الفلسطينية، وأيضاً رغم أن العالم كله تواطأ ضدهم إلا أنهم لم يتخلوا عن مبادئهم ولم يبيعوا قضيتهم.
في عصرنا الحالي يتم إجبار الأقلية المسلمة في الصين على شرب الماء في رمضان، ويتم قتل وتعذيب مسلمي بورما، أما إخوتنا في إفريقيا الوسطى فرغم المجاعة والأمراض المتفشية مازالوا يرفضون عروض التبشيريين المغرية.
أثناء زيارتك للكعبة ما إن تلتقي بحاج من آسيا الشرقية حتى يستقبلك بحضن وحب كبيرين لأنه يراك من أهل البيت فقط لأنك من بلاد عربية ولأنك تقرأ القرآن بلغته الأصلية.
لكن ماذا عن دواخلنا وذواتنا، هل حافظنا على الإرث الإسلامي، هل نحن فخورون بأن لغتنا الأم هي العربية "لغة القرآن"، ماذا لو تم احتلال بلداننا العربية، ماذا لو تم إجبارنا على التخلي عن ديننا الحنيف، واعتماد اللغة الإنكليزية مثلاً لغة للبلاد، هل سنصلي بأعيننا، هل سنرتل القرآن في مخيلتنا، وهل سنتحدث مع أبنائنا باللغة العربية داخل بيوتنا لكي لا ينسوا أصولهم..؟ أم أننا سنساعد الغرب في طمس هويتنا أو بالأحرى ما تبقى منها؟
بعيداً عن الحكام العرب وتواطئهم مع الغرب، الصراعات السياسية التي تدور بين البلدان العربية، والمشاكل الاجتماعية التي تعرفها.
أنا أتحدث فقط عن علاقة الشعب بإرثه الإسلامي، ورغبته في الحفاظ عليه، تمسكه به ومحافطته عليه، وعدم انسياقه وراء الضغوطات والمغريات الحقيقية، وتحرك غيرتنا الدفينة نحو أشياء غير ملموسة لكنها لا تقدر بثمن.
كل هذه التساؤلات نابعة عن تكهنات، لكنها تجعلك تستشعر حقيقة أن العرب المسلمين في عصرنا الحالي لم يخدموا دينهم وإرثهم الثقافي، بل أكدوا أنهم مسلمون بالوراثة فقط.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.