في عز تألقه سُئل الموسيقار محمد عبدالوهاب عن رأيه في كثير من الفنانين والفنانات المشهورين على الساحة، فكان يصف كل واحد منهم بما يراه، غير أن أحدهم باغته بسؤال ملغم: ولكنك إلى الآن لم تعطنا رأيك في السيدة فيروز؟
فكانت إجابته: كل الأسئلة التي وجهتموها إليَّ مشروعة لأنها متعلقة بأهل الأرض، أما وإنكم سألتم عن فيروز فإنا لا أقيّم الأصوات التي تأتي من السماء!
فيروز.. صوت مخملي شق طريقه وسط وجدان الملايين، يحمل في طياته أملاً لأولئك الذين قتلهم الشوق أو أوشك، ودفئاً لأصحاب القلوب المعذبة والنفوس المؤرقة، وشباكاً خلفياً لتناسي الوجع، وبابا واسعاً لاستقبال البشر والتفاؤل.
تجولت بروحي في زوايا مدينة القدس وأنا أستمع إليها في رائعة "زهرة المدائن"، وأرسلت ولا زلت أرسل قبلة إلى مصر من هنا حيث أقبع بعيداً عن مصر كلما استمعت إلى رائعة "مصر عادت شمسك الذهب"، وتجولت في شوارع الأردن العتيقة كلما استمعت إلى رائعة "أنا والمسا والأردن"، وهربت مني روحي بعيداً إلى ذلك الذي تهفو إليه النفس دوماً كلما استمعت إلى "يا زمان الوصل بالأندلس".
تصح السيدة فيروز ببساطتها، وتواضعها، في الكلم والملبس والسكون والحركات أن تكون مثالاً وقدوةً لأولئك الذين يحاولون أن يقنعونا بأن الجمال لا ينفك عن التعرّي والإباحية، والإطلالة المميزة يلزمها ثياب فخيمة مرصعة بالذهب والألماس، كما فعلت فنانة لبنانية مؤخراً وخرجت علينا بفستان مرصع بالألماس بلغت تكلفته 10 ملايين جنيه، وتصح أن تكون نموذجاً لأولئك الذين يتصورن أن الوصول إلى أكبر شريحة من الجمهور مرهون بالتطبيل والنفاق، إذ كانت كلما دعاها ملك أو أمير أو رئيس أو وزير لتغني في قصره كانت إجابة رحباني: لا تغني القيثارة في القصور بل في أماكن فنية محترمة.
لدرجة أن أزمة كبيرة حدثت بين لبنان وتونس إثر امتناع فيروز عن الغناء أمام الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة على ما أعتقد، الأمر الذي اضطر رئيس الوزراء اللبناني حسين العويني أن يمنع بث أغانيها في الإذاعة، وبسببها دخلت فيروز في أزمة نفسية كادت أن تقضي عليها.
فارقني قلمي وولى هارباً يكتب عن قيثارة السماء، جارة القمر، في وقت يطل علينا القبح من كل مكان، في محاولة بائسة لإقناع فاقدي الذوق، ومعدومي الإحساس بأن الشكل الظاهري ليس له علاقة بشهرة الفنان وكفاءته، لاسيما أننا نشاهد قصصاً سخيفة بطلاتها أدمن الغناء بصدورهن، والطرب بسيقانهن، وانتفاخ مؤخرتهن.
ومما توقفت معه طويلاً، أثناء قراءتي عن المدرسة الرحبانية التي تمثل فيها فيروز الركن الركين، لاحظت أن مشكلة كبيرة نشبت بين عاصي زوج فيروز وعائلته، ذلك أن عائلته كانت تحاول دوماً أن تثنيه عن اختياره لفيروز بسبب شكلها، وعيوباً آخر في جسدها، علاوةً على أنها غير متعلمة وغير مثقفة.
المؤسف أن كثيراً من أصحاب الأصوات الجميلة فشلوا في الاختبار، وركبوا الموجة حباً للمال، واستعجالاً للشهرة المتوهمة، فشاركوا في إفساد الذوق العام، ورسَّخوا قيماً سلبية، فضاع الجمال في دهاليز القبح، وغاب البهاء في غياهب العري، وبين هذا وذلك يئن العفاف، وتتوارى الفضيلة!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.