أمامنا مرحلة تتسم بمتغيرات سريعة ومختلفة، تسير نحو مؤشرات دالّة على تشكل معالم قوى الأمة والشعوب العربية والإسلامية، ودخول الاستكبار الصهيوني والأميركي والعربي، في معركة تغيّرت فيها موازين القوى، بوجود أمة ترغب في التحرر من الحكام المستبدّين ومنتوجات المشروع الصهيوني، وتسعى إلى نصرة القضية الفلسطينية، ورفض التطبيع، ووجود شعب فلسطيني يعشق التحرر، فضلاً عن جيل في غزة ينوب عنا وقوفاً في مقدمة المواجهة التاريخية ضدّ الداء المؤقت، وهو المشروع الصهيوني، والعلو المفسد في الأرض.
وبعد مسيرات العودة وحراك غزة ودخول المقاومة في مسلك الردع والانتصار وصناعة الفعل وإفشال خطط صفقة القرن وعمليات الاغتيال، رأينا الاحتلال يترنح اضطراباً، وينزلق إرباكاً من خلال حصار يتحقَّق تدرجاً بفضل جهود عربية وإسلامية وفلسطينية وغزية ودولية، حاصرت المشروع الصهيوني أيما حصار وهي فقط البداية، وقد نرى تجليات الحصار فيما يلي:
– الاحتلال الصهيوني راهَنَ على تصعيد سفك دماء شباب مسيرات غزة، ورصّ الدبابات بجانب الحدود، وراهن على جولة سياحية تطبيعية في بعض الدول العربية، لإفشال نفسية شباب مسيرات العودة والثوار، ولتقبل الأنظمة، أو تسكت عمّا يقدم عليه الكيان الصهيوني من جرائم مستقبلاً، وهي رهانات فاسدة بائدة، لكن كانت النتيجة عكسية بتصاعد الصفوف في مسيرات العودة، وزيادة النصرة والدعم للقضية الفلسطينية داخلياً وخارجياً لغزة، من خلال جهود دول أو مؤسسات المقاطعة العربية والأجنبية.
– غزة من كل جانب كانت تحاصر الاحتلال، والطائرات الورقية من فوق تحاصر، ورجال الأنفاق من تحت يحاصرون، والمناصرون والداعمون لغزة ومسيرات العودة والقضية يحاصرون الرواية الصهيونية من البرلمانات الأوروبية، والنقابات والجمعيات المناهضة، والمنظمات الدولية والمؤسسات الإعلامية، والندوات واللقاءات الفكرية ضد التمييز العنصري الصهيوني، وفي ضفة أخرى هناك شعوب عربية وإسلامية تواجه العدو الصهيوني والتطبيع بشتى أنواع المقاطعة والاحتجاج على الكيانات الصغيرة والمنتوجات الصهيونية والأميركية، وهي الأنظمة العربية الديكتاتورية، التي يتأثر بسببها الكيان حين يتزعزع عرشها حراكاً شعبياً.
– طبيعي وكردّ فعل عن هذا الحصار الجماعي الداخلي والخارجي للاحتلال، سيركض المشروع الصهيوني -الذي فقد أحد أصابعه الخليجبة مؤخراً وهي السعودية- إلى التطبيع ورصّ صفه من جديد، خصوصاً بعد سقوط ورقة محمد بن سلمان، بعد حدث الخاشقجي التي كان يراهن عليها الاحتلال في صفقة القرن، لإقناع باقي الحكام وحشدهم لتصفية القضية الفلسطينية ومشروع المقاومة، بعد نجاحهم في تمزيق الشعوب.
– بعد حصار نسبي للمشروع الصهيوني وسقوط مربعه السعودي، وتزامناً مع هزيمته في معركة "حد السيف" في غزة مؤخراً من قبل المقاومة، سيتحرك الاحتلال الصهيوني هنا وهناك، وبشكل سريع، في عملية تطبيع جديدة من عمان إلى الإمارات إلى المغرب إلى البحرين ودول عربية أخرى، وسيسعى المشروع الصهيوني إلى التنويع من حركاته بلم "شمل الشلة الاستبدادية" العربية، وإخراجها من جحورها وقصورها الخفية، لإظهار مظلومية الدولة العبرية وديمقراطيتها، وإرهابية غزة والفلسطينيين، وبالتالي سنشهد سيناريو آخر من المواجهة بين الشعب الفلسطيني بمعية الأمة، ضد الاستكبار الصهيوني والأميركي والعربي، الذي بدأ يصطف من جديد، تجديداً للدماء، وتخوفاً من مستقبل لغزة والأمة والشعوب والشعب الفلسطيني، هذه القوى التي بدأت تصطفّ وتتشكل في توجه جماعي غاضب ضد المشروع الصهيوني ومنتوجاته العربية الاستبدادية، التي تنشر شعوبها نشراً وتقطيعاً بمنشار الاستبداد، وتفكر في إنهاء القضية الفلسطينية تفصيلاً وجملة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.