تختلط المشاعر عندما يكون الحديث عن الوطن، الأرض التي أكلنا من خيراتها، التي علمتنا الوطنية وحب الآخر، الأرض جعلت منا رجالاً ونساء فخورين بتراثهم وحضارتهم، أرض أمة سباقة نحو التغيير والتطور في جميع المجالات. تختلط المشاعر بين الفخر بتاريخنا وخوفي على مستقبلنا، بين أملي بغد أفضل وإحباطي من هذا الشعب المتخاذل، رغم أنني أرفض التعميم، لكن أغلب التونسيين اليوم متخاذلون للقيام بواجبهم الوطني.
تختلط مشاعر الحب لبلادي ومشاعر غيرتي عليه لكن أكثر شعور طاغ هو الغضب، الغضب من الواقع الذي وضعنا أنفسنا فيه، الذي طبعنا معه وقبلناه لدرجة أنه صار هو نظام حياتنا اليومية. أغلبنا سيبرر قبوله هذه المنظومة بتعلة صعوبة الحياة وفقدان الأمل، لكن بالنسبة لي تبرير الفشل أو التخاذل هو ضعف وخيانة للوطن ولأجدادنا الذين ورثنا منهم هذه الأمانة.
هذا الجبن لتحمل المسؤولية التاريخية التي تحتمها علينا هذه المرحلة المفصلية من مسيرة أمتنا، سيؤثر على مستقبلنا وعلى مستقبل تلك الأجيال البريئة التي ستلحقنا. فمن نحن لكي نرفض تحمل ما يجب تحمله، فنحن قبل كل شيء أبناء تونس، والفرار من هذا الوطن لن يحل المشكل لأنه قابع فينا نحن المتخاذلين الضعفاء. نعم نحن ضعفاء لأننا استسلمنا قبل بداية الحرب، لاسترجاع هذا الوطن من يد العصابات التي تنهش لحمنا وتغتصب عقولنا بتفاهتهم ونفاقهم.
إننا بسكوتنا والتزامنا الصمت جعلنا من أنفسنا أعداء لتونس، فأعداء الوطن ليسوا فقط تلك النخبة أو رجال الأعمال الذي ينهبون البلاد، بل العكس فإن أولئك هم نتيجة طبيعية لضعفنا وجبننا، الذي فسح المجال لهم بأن يتطاولوا على بلد كان من أعظم الحضارات في تاريخ الإنسانية، والذي أخرج للعالم عظماء على مر العصور.
نعم أنا غاضب وأحمل المسؤولية لنفسي ولكل مواطن تونسي يعتبر نفسه ابناً لهذه الارض، لأن أولئك الخونة أو بالأحرى الذين يحلمون بدول الأجانب كملاذ لتحقيق أحلامهم، لا يمكن اعتبارهم أبناء لهذا الوطن. مهما كان وضع البلاد فيجب أن نحارب من أجل حقوقنا وحقوق أبنائنا بغد أفضل، لا الهروب كالجرذان إلى أحضان غرب دمرنا ونهب أجدادنا قبلنا.
عزة نفس التونسي لا تسمح له بقبول هذا الوضع، بل سيكون هذا الشعب ومستقبله هو شغله الشاغل الذي يفيق وينام عليه. هذا الوطن بناه عظماء ولا يمكن إعادة بنائه بهؤلاء الخونة أو بشعب عدو لنفسه، ولن أرضى ولا أمثالي بأن نكون حثالة الشعوب لأننا لم نكن يوم مزبلة للعالم، بل تونس كانت دائماً منارة للإنسانية في الرقي والإبداع. فمن نحن لنكون عكس ذلك، هذه الأمانة تحتم علينا أن نكون في مستوى المسؤولية، وهذه رسالة لكل متخاذل يفضل تبرير فشله عوض العمل على حل يضعه على سكة النجاح.
الأوطان لا يبنيها الضعفاء، ولا يمكن الحديث عن الرقي والرفاهية بدون تضحية جيل أو جيلين من أجل تحقيق ذلك الحلم، الذي أسميه الحلم التونسي، لكل منا حلمه وطموحه لذلك يجب العمل ليلاً نهاراً، وعدم التراجع أمام أي تحد، فالمستحيل ليس تونسياً، ولأولئك الذين يحلمون بامرأة جميلة وسيارة فاخرة وأموال طائلة أقول لهم استيقظوا فلدينا وطن يجب بناؤه، وبالنسبة لتلك التي تحلم بفارس الأحلام والسفر حول العالم أقول لها انهضي فتونس تحتاجك.
لدينا كل مقومات النجاح، لدينا كل الطاقة واليد العاملة لخلق وطن عظيم، وطن القيم والتحضر، وطن التطور والاحترام. يجب علينا التجرد من كل مصلحة فردية ومزج أحلامنا بحلم وطن الغد. أفضل أن تجرح يداي وينقصم ظهري بالعمل لبناء سكة حديدية تحل مشكلة ما، على أن أجلس في مكتب مكيف وأمضي فقط على أوراق وأقضي بقية الوقت أتصفح الإنترنت على فيديوهات مضحكة تافهة. هذا المثال تعبير مجازي عن العقلية التي يجب أن نتحلى بها إذا أردنا إنقاذ بلادنا. لكن هذه العزيمة وتلك الشعلة يجب استعمالهما للحرب القادمة، حرب أمة ضد منظومة فاسدة ومفسدة.
هذا الخوف يجب أن ينتهي، هذا الجبن يجب أن نتجاوزه وتلك اللامبالاة يجب أن تعوض بالرغبة الجامحة للتغيير لأننا في حرب، حرب قيم، حرب هوية، حرب مستقبل، حرب حرية، حرب على منظومة دمرت بلادنا وجرتنا للحضيض. سلاحنا هو عزيمتنا ووطنيتنا، ولنا الغلبة يا شعبي لأنه لا يمكن تدمير إرادة أمة إذا استفاقت، لا يمكن هزيمة شعب يحارب من أجل بلاده.
هم يحاربون من أجل أموالهم ونحن ليس لدينا ما نخسر، لأن الموت من أجل الوطن أعظم شرف بينما هم يخافون على نفوذهم الوهمي ومكاسبهم. نحن شعب يعرف كيف يجد طريقه فتاريخنا يثبت قدرتنا على التجدد والتقدم، بينما هم عاجزون لأنهم يعلمون مدى قوتنا إذا توحدنا. يجب تدمير كل الحدود الوهمية التي تفرقنا، فلا دين ولا جهة ولا عرق يفرقنا، اليوم واجبنا الوطني ورايتنا هي عمادنا، يجب أن نكون يداً واحدة لإسقاط هذه المنظومة الظالمة.
فكفانا جبناً، كفانا عداء لأنفسنا، اليوم لا مكان للضعف، لا مكان للتشاؤم ولا مكان للسكوت. كلنا نعرف ما يجب فعله، يجب أن نتحمل مسؤوليتنا من أجل تونس، من أجل مستقبلنا ومستقبل بلادنا. فلا تنسوا ذلك وذكروا أنفسكم بهذه المسؤولية كل مرة تنظرون فيها لأنفسكم أمام المرآة، فالتاريخ لن يرحم خيانة الضعيف والمستقبل لا ينتظر المتخاذلين.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.