الخطوة الأولى، جمالك الشخصي مفتاح شهرة واسعة
إن كُنتي مِن ذوي البشرة السمراء أو البيضاء أو حتى الحنطية، وإن كنتي على قدر كبير من جمال الوجه وجمال المظهر، فإنك تتمتعين بسلاح مهم قد تحصدين به إعجاب آلاف على مواقع التواصل. استخدمي مصوّر مُحترف أو تعلمي أُسس التصوير الاحترافي واجعلي لنفسك صورة على الأقل كل أسبوعين في مكان يبدو مهم أو فخم.
إن كنتِ تعتقدين أنك لست على قدر من الجمال، لا يهم، استخدمي خاصيّة check in، مرتين أسبوعيًّا وأبرزي للناس مكان تواجدك في تلك الأماكن الفخمة. لا تملكين مال للسفر أو الذهاب للأماكن الفخمة، لا يهم، استخدمي أي زاوية جيدة في أي مقهى لتُشعري الرائي أن المكان مهم وفخم وإنك عادة لا تذهبي إلا لتلك الأماكن. ذلك، مع التركيز على جرعة من الدلع المعتمد على لونك وعودك سواء رشيقة أو سمينة. أينكان شكلك يُمكن استغلاله.
أنتِ أنجح نساء العالم أينكان موقعك. إن كنتِ طبيبة / مُهندسة/ سكرتيرة / ربه بيت أو حتى لا زلتِ طالبة، يمكنك إثبات أنك أنجح امرأة في الكون بكتابة منشورات طويلة عن طبيعة دراستك أو عملك
الخطوة الثانية، تدينك/ تحررك سرّ أنوثتك:
إن كُنتي مُحجبة من وسط مُحافظ أو حتى أصولي سلفي استخدمي هويتك الدينية في التسويق لنفسك، بروبجاندا الأنا أمر ليس بالمعقد، اكتبي منشور طويل عن علاقتك بالله، سواء صدقة أو صلاة أو في أي مناسبة دينية ثم ارفقي صورتك الشخصية بأفخم اللباس في أماكن جميلة.
إن كنتي متحررة strong independent woman اكتبي منشورات طويلة عن طعم حرية المرأة ممزوجًا بموسيقى الآندر جراوند وهي تحتسي بعض المشروبات الكحولية. وطبعًا، تُرفقين صورة شخصية لك بفستان أسود قصير أو أزرق منفوش في البار أو على شاطئ البحر، أنتِ وراحتك، المهم في الحالتين، صدق التعبير عن الإيمان بالله أو الكفر به.
الخطوة الثالثة، نجاحك في الحياة مُنقطع النظير ولم يسبقك له أحد من العالمين:
أنتِ أنجح نساء العالم أينكان موقعك. إن كنتِ طبيبة / مُهندسة / سكرتيرة / ربه بيت أو حتى لا زلتِ طالبة، يمكنك إثبات أنك أنجح امرأة في الكون بكتابة منشورات طويلة عن طبيعة دراستك أو عملك أو حتى حياتك الأسرية ونشرها على تلك مواقع التواصل مُرفقة بصورة شخصية وهذه سمة أساسية وأضيفي لها أحيانا مكان عملك أو أدوات العمل أو صورة لمنزلك من الداخل وهو نضيف وفخم ومهندم. تحدثي عن العوائق التي واجهتك ثم طُرقك الغير تقليدية الرائعة في التغلب على العوائق وتحقيق النجاحات مُنقطعة النظير. وها أنتِ بفضل الله تنعمين بأنجح حالة مهنية قد تعيشها أي امرأة.
الخطوة الرابعة، ننزل بصور سفر كثيرة الفترة القادمة:
إن كنتِ تسافرين كثيرًا احرصي أن تنشري دائمًا منشورات عميقة وثرية عما تعلمتيه من السفر؛ مُرفق بها كالعادة صورة لك وصورة للأماكن التي تذهبين إليها. لا تملكين المال للسفر للخارج، لا مشكلة، سافري في الداخل، لمدن ومحافظات أخرى، صوري كل شيء في كل مكان تذهبين إليه وتحدثي عن أهل تلك الأماكن وعمق وثراء التجربة أيضًا.
ليس لديكِ المال للسفر لأي مكان، لا مشكلة، انشري صور مختلفة لمعالم سياحية جميلة واكتبي عن حلمك بالسفر لهذا المكان أو ذاك. تستطيعين أيضًا كتابة وصف تخيلي لما ستفعلينه إذا ذهبتي لهناك. المهم في جميع الأحوال، أن تُعطي انطباع بأنك روح هائمة في الكون لا يستطيع أحد أن يحتويها. لا تحبين السفر، لا مشكلة، أكثري من صور أي أمر أنتِ شغوفة به حتى يؤمن المتابع لك بحجم عمقك، وكما تعلمنا، صورك الشخصية هي الكارت الذي تكسبين به كل شيء.
الخطوة الخامسة، حالتك الاجتماعية تلعب دورًا هاما في جمع المعجبين:
إن كنتي عزباء، اكتبي عن أن حريتك وأنتِ عزباء كفيلة بتحقيق نفس القدر من سعادة المتزوجات. وإن كنتي متزوجة، اكتبي منشورات عن حجم التفاهم والود بينك وبين شريك الحياة. وإن كنتي مطلقة، اكتبي عن حجم قوتك النفسية التي تتمتعين بها وساعدتك في التخلص من سجن الزواج الغير مناسب.
وإن كُنتي أرملة، اكتبي عن حجم الفتن التي تلقاها الأرملة الجميلة مع رسالة مُبطنة أنك تبحثين عن شريك حياة جديد وأن كل من لديه نية التقرب، عليه الإسراع؛ لأن العروض التي تتلقيها كثيرة جدا، "بسّ هي النفس". المهم، أنك في جميع الحالات ترفقين صورة لك في مكان فخم أو جميل وسط الطبيعة الغناء، وإن كنتي لا تستطيعين الظهور بكامل وجهك، اظهري بجزء من جسمك رُبما يدك أو نصف وجه وهكذا، شغّلي خيالك.
ًإجمالا:
ما أريد قوله يُمكن اختزاله في نقطة واحدة، استعرضي، مَثّلي كثيرًا، مَثّلي طويلا، استعرضي كل شيء، كل شيء لو استعملتيه بذكاء سيصير ترسًا في ماكينة حصد المعجبين. استعرضي أغراضك الشخصية وأحداث حياتك اليومية، استعرضي سفراتك وجوالاتك ونجاحاتك ودراستك، استعرضي علاقتك بالأهل والأقارب والأصدقاء، استعرضي علاقاتك العاطفية وانشري صور كثيرة توضح حجم الحب والسعادة المُفرطة التي تتمتعين بها مع شريك الحياة. استعرضي حتى علاقتك بالله! هل يبدو هذا مُبتذلًا ورخيصًا؟ وما المشكلة؟ لكنك ستُصبحين نجمة على مواقع التواصل. أيقونة للعلم والنجاح والجمال والتدين/التحرر.
في عمل تاريخي، قدم السريالي البلجيكي رينيه ماجريت لوحة خالدة سمّاها "غشّ الصورة / هذا ليس غليونا" عام 1929، اللوحة أتت صادمة للغاية في معناها ومغزاها. فقد رسم ماجريت لوحة لغليون ثم كتب أسفله هذا ليس غليون!
مواقع التواصل الاجتماعي
ولا تظنين أرجوكِ أن هذا رأي الشخصي الذي اتبناه أو أنني أحث الناس على الإقدام نحو هذا الابتذال. والله أبدًا. مع أن هذه قد تبدو "حياة عصرية" تفرضها مواقع التواصل الاجتماعي بوصفها نوعا مِن "العمق" في صورة شخصيات أنتجت نفسها بنفسها وخرجت من مُجتمعات توأد كل بنَّاء وجميل ليصنعوا جمالهم الخاص، إلا أن تلك الشخصيات لا يبدو أنها وصلت لمبتغاها في نشر فكرة "العُمق"، في الحياة، كما كانت ترنو لذلك؛ أو كما "ادعت" أنها كانت ترنو لذلك.
على العكس، ففي حين كان بعضهن تتحدى التقليدي، وتشق طريقها نحو القمة وهي تسخر من التفاهة والتافهين والمبتذلين بأسلوب تقدُمي ذي مسحة أصولية / محافظة / علمانية، أينكان توجهاتهن، فإنهن قدمن مجموعة قيم هي في جوهرها استهلاكيّة / استعراضيّة / غير أخلاقيّة .. إلخ، زيّ ما اتفقنا اسمه "عُمق".
سطوة مواقع التواصل وتحولها من مجرد مواقع تدوين أو مناقشات لتصير جزءا من الحياة اليومية التي لا يستطيع كثيرون العي
ش بدونها كان كارثيًّا بحق. المسألة ليست أن البعض صار يتشارك حياته، بشراهة، على تلك المواقع، وهذا في حد ذاته وإن كان مشكلة كبيرة، فإن المشكلة الأكبر أن أثر مشاركته الشرهة لكل تفاصيل حياته لا يتوقف عنده بل يؤثر على عشرات مئات غيره.
في عمل تاريخي، قدم السريالي البلجيكي رينيه ماجريت لوحة خالدة سمّاها "غشّ الصورة / هذا ليس غليونا" عام 1929، اللوحة البسيطة للغاية في عناصرها المرسومة أتت صادمة للغاية في معناها ومغزاها. فقد رسم ماجريت لوحة لغليون ثم كتب أسفله هذا ليس غليون! فقط.
"ما هذا إذن؟ هذا ليس غليونًا، بل لو أنّني قلتُ إنه غليون سأكون كذّابًا". هكذا، يصِف ماجريت لوحته. فهذه "صورة" غليون! هذه الصورة لا تصلح للتدخين، هذا مجرد رمز لغليون، والرمز لا يساوي أبدًا الشيء ذاته. الصورة ليست أبدًا هي الواقع أو الحقيقة، هذه مُجرد صورة، فقط صورة.
الشاهد، أن صور السعادة والنجاح والراحة والثراء هي مجرد صور يا صغاري. والصور لا تساوي أبدًا الشيء ذاته. هل هذا واضح؟ لا تكترثوا مَن ينشر ماذا. هذه مجرد صور ومحض قصص الله أعلم بمدى صحتها. وأعتقد والله أعلم أن الشخص السعيد في حياته حقًا والناجح والمؤمن صدقا لا يحتاج لنشر مثل تلك القصص على مواقع التواصل، بل أن هدفها والله "تسويق الأنا" ليس أكث
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.