سمعتُ وداد العلي، أرملة ناجي العلي، وناجي العلي لمِنْ لا يعرفه رسَّام كاريكاتير فلسطيني وُلد عام 1937 واغتُيل عام 1987 بلندن وكانت رسوماته على بساطتها تهدد الكيان الصهيوني وتزعزعه لما فيها من تنبيه للوعي بالقضية الفلسطينية، وقد سمعتُ وداد تقول إن القلق على زوجها كان لا يفارقها من كثرة التهديدات التي كانت تطارده، وقد تحول ذلك القلق إلى هاجس يهيمن عليها بأن مَنْ يهدد زوجها قد يزرع له لغماً في سيارته فما كان منها إلا أنها كانت تذهب فور استيقاظها في الصباح لتشغيل سيارته؛ خشية أن يكون بها لغمٌ قد يودي بحياة زوجها، أما أن يودي بحياتها فلا مانع لديها قائلة: "إذا مت فلن تنجم مشكلة أما ناجي فهذا شخص لا يُعَوَّض".
إن تعليقها على تصرفها هذا يحمل وجهين فيما أرى، فهي زوج محبة بصدق لدرجة أنها لا تبخل على زوجها بروحها وحياتها وهذا في الواقع حب منقطع النظير.
والوجه الآخر هو أنها زوجة واعية بعمق ومؤمنة أيضاً بقيمة زوجها وبموهبته الفذة لدرجة تجعلها جديرة بأن تكون رفيقة درب شخص كناجي العلي.
وأخيراً أظن أنه لو انفجر في وداد العلي اللغم الذي كانت تخاف على زوجها منه لقال فيها: "إنها زوجة لا تُعَوَّض أيضاً".
رحم الله ناجي العلي وأدخله فسيح جناته.
بنو البشر
لي جهازان كمبيوتر محمول (لاب توب)، أحدهما خاص بي، والآخر وفَّرته لي جهة عملي، أما جهازي الخاص بي فكان لمدة تجاوزت 5 سنوات هو الأحدث تكنولوجياً بمقدار 3 سنوات بمقياس التكنولوجيا فكان استخدامه أسهل، وكنت أعتمد عليه في إنجاز أغلب المهام الصعبة التي تُوكل إليَّ، حتى تلك التي يتطلبها عملي الذي وفر لي جهازاً، للوفاء بمواعيد التسليم فكان الأقرب إليَّ في الواقع وساعدي الأيمن في جُلِّ ما أعمل؛ ولأن من سُنة الحياة تقلُّب الحال، فقد أُوتي إليَّ في العمل -منذ ثلاثة أشهر تقريباً- بجهاز أحدث 5 سنوات بمعيار التكنولوجيا من جهازي الخاص بعدما استُنفدت كل محاولات تصليح القديم أو تحديثه.
ولما صار جهازي في العمل أحدث من جهازي الخاص أصبحت أعتمد عليه أكثر وأصبح هو الأقرب، ولما تأملت تغيَّر حالي مع جهازي الخاص وبُعدي عنه على نحوٍ غير مسبوق نظرت إليه وقلت في نفسي إنه لو نطق ولامني لطلبت منه أن يعذرني فأنا من بني البشر يغريه الأسهل ويسعى وراء الأفضل ويحب المصلحة؛ لكن لا بد ألا ينسى أصحاب الفضل عليه.
يعني إيه إحساس؟
لما قلت لابن أختي ابن السادسة، الذي اعتاد أن يقابلني بالأحضان والضرب معاً: "لقد أصبحت أتألم من ضربك وأكاد ألا أحتمله؛ لأنك كبرت ونمت عضلاتك وثقُلت يداك ولولا إحساسي بأن ضربك هذا نوعٌ من المحبة وأنه أسلوبك في التعبير عن هذا الحب لتضايقتُ منك وانصرفت عنك، فأرجو منك أن تترفق بي بألا تستخدم هذا الأسلوب معي".
سكت قليلاً وقال: "إيه الإحساس ده.. يعني إيه إحساس؟!".
فأجبتُه وأنا مبتسمة: "إنه من نِعْم الله علينا، فكما أنعم الله علينا بعقلٍ نفكّر به، وهب لنا إحساساً نستشعر به بواطن الأمور، حتى وإن كانت تتنافى مع ظواهرها، كإحساسي الآن مثلاً بأن ضربك لي، الذي يؤلمني، يوافق محبتك التي تسعدني، أليس كذلك؟".
فرد عليّ: "صح.. بس أنا عايز يبقى عندي إحساس!".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.