مازلنا في القرن الواحد والعشرين والمرأة مُعنّفة، تُقتل بصمت كبير، لدرجة أن فعل الجاهلية أرحم مما يحدث الآن، ومازال بعض الأهل يأخذ دور ملك الموت ويسحب روح بناته.
هناك فرق شاسع بين أن تكون والدها، أي مسؤول عنها وتخاف عليها، لكن لا يعني أن نتحكم بحياة الآخر وقراراته.
الأبوة والأمومة هما المشاركة والصداقة والتعاون والمحبة، أي تكون هناك مساحة بين الاثنين وحرية اختيار واحترام ومساندة، أن أستمع لهم ولا أقصّ أجنحتهم بسبب العرف والتقاليد، أن أؤمن بقدراتهم وأكون جمهورهم الأول.
أقدم لكم مشهداً حقيقياً من قصة بكيت كثيراً عندما سمعت عنها عن طريق الواقع الافتراضي السوشيال ميديا، وعلى لسان ابنة الطبيب بتغريدة لها حكت كيف أصبحت هذه المأساة جزءاً من الواقع.
فبدأت بطبيب سونار، قبل أسبوع جاءت فتاة تبلغ من العمر ١٣ عاماً ومعها 3 نساء كبيرات في العمر وأمها، الأم كانت تمسك بابنتها التي تقف بصعوبة على قدميها من كمية الضرب، دكتور السونار يقول إنه لا يوجد لون لبشرتها؛ كانت عبارة عن كدمات باللون الأزرق، وكانوا يطلبون منه فحصاً للبطن.
الدكتور قبل كل شيء سأل عن أعراض مثل الدوخة ولعبان النفس والألم بمنطقة الرحم، وكلها كانت موجودة لدى الفتاة.
الأم كانت لا تستطيع التحدث بشيء بسبب الخجل؛ لأنها تظن أن ابنتها حامل، واحدة من النساء الموجودات معها قالت إن والد البنت وأعمامها "حادين السجينة ومنتظرينا نرجع بس أنا عدي أمل بيك دكتور"، أي يغسلون العار حسب المفهوم العشائري السائد في العراق.
الدكتور فحص البنت وظهرت نتيجة أن لديها غشاء بكارة سميكاً، وأن دم الدورة الشهرية لم ينزل عليها لمدة ٥ أشهر، فتكون لديها تراكم وبطن منفوخة ونفس أعراض الحمل، وبحكم أنها تسكن في بيئة جاهلة طعنوا في شرفها.
بعد يوم جاء والد البنت وبكى أمام الدكتور، وقال له أريدك أن تأتي معي وتقول هذا الكلام أمام العشيرة؛ لأنهم لم يصدقوا "ويريدون مني أن أذبح ابنتي".
ذهب دكتور من دون تردد وتكلم أمام شيوخ العشيرة، لكن لا أحد يريد تصديق ذلك، وبعد يوم واحد جاء خبر موت الفتاة دون ذنب، قتلت رغم أنهم أثبتوا بالدليل أنها ليست حاملاً وأنها عذراء.
فماتت متسممة فقط من أجل غسل العار وسماع كلام العشيرة.
سؤال هنا: كم فتاة تقتل يومياً بسبب العرف العشائري والسلطات الدينية؟!
كم فتاة ماتت أحلامها دون ذنب وضاع مستقبلها بسبب الجهل العشائري؟!
وإلى متى تبقى المرأة صامتة بوجه هذا الظلم؟
الشرف ليس مجرد بقعة دم حمراء، الشرف هو ضمير حيّ واحترام وعدم الكذب والظلم، قال تعالى: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ).
على المنظمات النسوية والمعنية بحقوق الإنسان والمرأة أن تدافع عن هذه القضية وتطالب بقانون صارم يلغي سلطة الأعراف والقبيلة ويحمي المرأة من العنف، نحتاج إلى توعية الأهل، خاصة قبائل العشيرة بإعطائهم دروس توعية وتنمية عن طريق المشاركة الفعالة والتعرف على حق المرأة في الحياة فعلياً وواقعياً في المجتمعات الأخرى، ونعطي لهم مثالاً يشابه ظروف عقدهم الفكرية والعرفية.
على سبيل المثال النظر إلى باكستان وتحديداً إلى والد مالالا يوسف، حيث كان هناك عنف وحرب في بلادهم وتُمنع النساء من التعليم، ولكن ابنته مالالا يوسف حاربت وقفت في وجه السلطات المانعة، وكان والدها يساندها ويقول لم أفعل شيئاً سوى أنني لم أقص أجنحتها وآمنت بها".
إلى جميع الأهالي والجمهور القارئ وكل من لديه أطفال وبنات وأولاد، آمنوا ببناتكم بإعطائهم المساحة والحرية ليحققوا ذاتهم ويكونوا ما يريدون لا ما تريدونه أنتم أو المجتمع.
كونوا لهن سنداً وجمهورهن الأول.
وانظروا إلى ماذا سيفعلن بتغيير هذا الكون وخلق بصمة تفيد العالم فقط آمنوا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.