هل الفيسبوك مكان مناسب لتخبر فيه زوجتك بأنك تحبها، وأنك لا تستطيع العيش من دونها، وأنها هي النعمة الكبرى التي أنعم الله بها عليك؟ وهل هو المكان الأمثل لتعترفي لزوجك فيه بأن أسعد أيام حياتك هي تلك التي عرفتيه فيها! هذا هو السؤال الذي يخطر في ذهني باستمرار عندما أجد مَنْ يتكلم بهذه الأمور -والتي هي بالمناسبة من أشد أمور الإنسان خصوصية هكذا على الملأ- قد أفهم أن تكتب السيدة منشوراً من هذه النوعية، وذلك مع اعتراضي الشديد على هذا الأمر، فهي قد تريد إعلام صويحباتها بحجم السعادة التي تنهل منها! أو أنها تريد إيصال رسالة لفلانة أنها تزوَّجت قبلها وتعيش بسعادة مع زوجها، إلى آخر هذه الأمور التي قد تعنى بها فئة معينة من النساء.
لكن ما لا أفهمه وأستهجنه وأجده يقدح في رجولة ومروءة من يفعله، هو أن يتغزل رجل بزوجته على الفيسبوك أو أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، فتجد أحدهم يدبج منشوراً طويلاً عن مدى شغفه بزوجته، وتجد الآخر يحكي لنا قصة طويلة عن مشاعره في اليوم الأول الذي قابلها فيه، بل والأنكى والأسوأ أنه قد يرفق المنشور بصورة له هو وزوجته وهما في وضع غرامي! لماذا يا أخي تصنع هذا بنفسك ورجولتك، ما الذي سأستفيده أنا من معرفتي بمقدار حبك لزوجتك؟! لماذا تجعل بيتك من زجاج وتعرض علينا فيه أخصّ خصوصياتك؟ ألا تعلم أن الفيسبوك والإنستغرام وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي كالشارع الذي يرد فيه البر والفاجر، الطيب والشرير، الغابط والحاسد؟
لماذا يا صديقي تتنازل بمطلق إرادتك عن حرمة حياتك الخاصة، تلك الحياة التي من المفترض أن تتهم من يود الاطلاع على أدنى تفاصيلها بالتطفل وسوء الأدب؟ بل إن الشرع قد أنزل وحياً يُتلى إلى يوم القيامة عن آداب الاستئذان التي تحمي حياتك الخاصة من تطفل الآخرين عليها. هل تتخيل أن معنى الحياة الخاصة التي من المفترض أن تتنعم بنعمتها يحسدك عليها الكثير من الناس؟ فكثيراً ما كنت أتفاجأ بغضب فنانين من سؤالهم عن حياتهم الشخصية أمام الكاميرات أو في حوار صحافي، وأجده يصمم على أن حياته الخاصة خط أحمر لا يسمح لأي شخص بتجاوزه.
وإذا أردت مثالاً على هذا فلك أن تبحث عن المقابلة التي أجراها الصحافي مفيد فوزي مع الفنان أحمد زكي وتطرق فيها الصحافي إلى الحياة الخاصة للفنان أحمد زكي، وأطلب منك يا صديقي أنت تتفحص بتمعن الضيق الذي ظهر على ملامح أحمد زكي، والعصبية التي ظهرت في طريقة كلامه، وعلى الرغم من الضغط السمج الذي قام به مفيد فوزي إلا أن أحمد زكي لم يتطرق إلا مكرهاً لبعض تفاصيل حياته. هذا الفنان المشهور الذي تتصيد الصحف والكاميرات أخباره كان يتمنى لو عاش حياته الخاصة مثلك، أما أنت يا صديقي فتأبى إلا أن تكون حياتك الخاصة عامة فرجة ومشاعاً لكل من هبّ ودبّ.
هذا بفرض أن الشخص الذي يقوم بهذا العمل سعيد فعلاً في حياته الخاصة، أما الطامة الكبرى والداهية السوداء لو أن حياته الحقيقية على النقيض مما يحاول إظهاره على الفيسبوك، فنحن هنا سنكون أمام ظاهرة تستحق الدراسة. وللأسف الشديد هذا النوع الأخير الذي أتكلم عنه موجود وبكثرة شديدة، وقد شهدت على الكثير من هذه الأمثلة من واقع عملي كمحامٍ، فلماذا لا نهتم بتزيين البيوت من داخلها ونحاول فقط تزويق الأبواب والستائر.
لماذا لا نعيش السعادة بدلاً من التظاهر أمام الناس أننا سعداء، هل المهم أن تخرج أنت وزوجتك وتشعروا بالانبساط والفرحة الحقيقيين، أم الأهم هو إعلام الناس أننا خرجنا وتفسحنا وعشنا أجمل لحظات العمر، ومثل هذا الكلام المستهلك؟! حاولوا التركيز على إسعاد أنفسكم ولا تشتتوا انتباهكم بالدعاية والإعلان عن هذه السعادة. حاولوا أن تعيشوا السعادة بدلاً من التظاهر بالعيش فيها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.