تابعت بشغف كعادتي، على الهواء مباشرة، عبر بعض وسائل الإعلام الأميركية، نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي بمجلسيه (النواب والشيوخ)، وتابعت قبل ذلك توقعات حول النتائج من قِبل المحللين السياسيين وبعض السياسيين أنفسهم، وأكثر ما استوقفني هو ما صرحت به زعيمة الحزب الديمقراطي في مجلس النواب نانسي بيلوسي، التي توقعت، من ضمن أشياء أخرى، حدوث تسونامي في هذه الانتخابات المفصلية التي كان متوقعاً أن تغير الخريطة السياسية في الولايات المتحدة، والأولويات حول العالم، لكون تلك الانتخابات عدت استفتاءً على حكم الرئيس الأميركي ترمب.
ومع بدء ظهور النتائج بعد منتصف ليلة الأربعاء 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حسب توقيت أوروبا والشرق الأوسط، ظهرت بوادر تفوق الحزب الديمقراطي في مجلس النواب، وهو الذي احتاج إلى 23 مقعداً إضافياً لضمان استعادة الأغلبية، وهو ما حدث فعلاً، ومن المتوقع أن تزداد مساحة سيطرة الديمقراطيين في مجلس النواب، لكون نتائج بعض الولايات لم تظهر بعد، والأصوات يتم عدها بتلك الولايات في أثناء كتابة هذا المقال. وأياً كان الأمر، فإن الديمقراطيين ضمنوا الأغلبية في مجلس النواب بواقع 222 مقعداً.
ويختلف الأمر في مجلس الشيوخ، حيث حافظ الجمهوريون على مقاعدهم وعززوا من قوتهم، رغم أن الديمقراطيين احتاجوا للفوز بمقعدين إضافيين فقط. ويرجع البعض ذلك إلى ما قام به الرئيس الأميركي ترمب نفسه في هذا الصدد والجولات المكوكية التي قام بها في أثناء الفترة التي سبقت يوم الانتخابات، وهو ما آتى أكله من خلال محافظة الجمهوريين على مقاعدهم، لا بل وزيادتها في مجلس الشيوخ.
ومن خلال تحليل منطقي لنتائج تلك الانتخابات، يمكن القول إنها لم تكن مفاجئة بشكل عام، فسيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب كانت أمراً متوقعاً إلى حد ما، ومحافظة الجمهوريين على مقاعدهم في مجلس الشيوخ كانت أمراً متوقعاً وسعى له الجمهوريين بقوة في أثناء الحملات الانتخابية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: إلى أي حد يستطيع الديمقراطيون في مجلس النواب متابعة أو عرقلة مواضيع ذات علاقة بالتشريعات التي ينوي الرئيس ترمب طرحها كالتشريعات الخاصة بالضرائب وتلك التي ينوي المضي قدماً في إلغائها كالتشريع المثير للجدل حول الرعاية الصحية الذي أصدره الكونغرس في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، أو المتعلقة بتعيين قضاة المحكمة العليا، أو تلك الخاصة بالتحقيقات ضد الرئيس ترمب، سواء المتعلقة بالتدخل الروسي المحتمل في انتخابات الرئاسة الأميركية، أو في أية مسائل أخرى تخص ترمب نفسه وسلوكياته المهنية والشخصية، التي كان من الممكن أن تمهد لعزله لولا سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، ما يمنع أية إمكانية مستقبلية بهذا الخصوص، فضلاً عن موضوع الهجرة، الذي يتخذ ترمب منه موقفاً متشدداً؟
وللإجابة عن التساؤل بخصوص التشريعات، يمكن القول يقيناً إن آلية إصدار التشريعات حددها الدستور الأميركي، الذي ينص على أن التشريعات يتم إصدارها بعد موافقة الكونغرس بمجلسيه عليها، ما يشمل تلك المتعلقة بتحصيل الدخل، على أن يتم رفعها بعد ذلك إلى الرئيس الأميركي للتوقيع عليها، مع حقه في إعادة التشريعات ذات العلاقة مقرونة باعتراضاته إلى المجلس الذي طرح التشريع فيه. وكل هذا يتم وفقاً لمبدأ "الضوابط والتوازنات" الدستوري الذي يحكم عمل المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية داخل الولايات المتحدة الأميركية.
لذلك، فإن مهمة كل من الديمقراطيين والجمهوريين لن تكون سهلة بعضهما في مواجهة بعض داخل ساحات الكونغرس خلال المدة المتبقية من حكم الرئيس ترمب، ما يمهد لتسويات داخل المجلس من أجل تجاوز المواضيع الداخلية الخلافية.
وختاماً، يمكن الإشارة إلى أن أهم الدروس المستفادة من تلك الانتخابات، أن أكثر ما يهم المواطن/ة الأميركي/ة هو المواضيع الداخلية كالاقتصاد والرعاية الصحية وليست مواضيع السياسة الخارجية. وثمة درس آخر يتعلق بتمثيل النساء لأول مرة في التاريخ بـ100 عضوة في مجلس النواب، إضافة إلى حصول سيدة من أصول إفريقية على عضوية مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي لأول مرة في التاريخ. والأكثر أهمية هو حالة الاستقطاب والانقسام داخل المجتمع الأميركي التي عكستها نتائج تلك الانتخابات، وانتهت بإعلان كلا المعسكرين الانتخابيين المتناحرين فوزهما في الانتخابات.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.