إذا كانت موسكو مكاناً مقدَّساً بالنسبة للروس، فإن الكرملين والساحة الحمراء رمز لموسكو، وأصل العاصمة العريقة وتاريخها لا ينفصل عن تاريخ البلاد السوفييتية والروسية.
ما من إنسان يأتي لزيارة العاصمة الروسية إلا وسعى لزيارة الساحة الحمراء، خصوصاً في أيام الاحتفالات والأعياد الوطنية والشعبية.
والكرملين لا تقتصر قيمته على كونه أثراً معمارياً له شهرته العالمية؛ فهو أقدم جزء من موسكو، والمركز الرئيس والمركز الفني التاريخي للعاصمة، ففيه مقر الهيئات العليا لسلطة الاتحاد الروسي.
في عام 1366، بدأ الأمير ديمتري إقامة جدار من الحجر الأبيض حول موسكو، فحينئذ كانت المدينة رأس النضال ضد المغول والتتار، وفي عهد الأمير إيفان الثالث أُقيم جدار من الطوب الأحمر على شكل سور حول الكرملين به 18 برجاً بدلاً من البرج القديم والمتهدم.
برج سباسكايا، هو البرج الرئيس في الكرملين، والدخول إليه في الاحتفالات والمسيرات كان يتم عبر بوابة هذا البرج. وفي عهد إيفان الثالث، ثُبّت على البوابة شعار مدينة موسكو وهو عبارة عن لوحة حجرية عليها رسم فارس يحمل رمحاً، كما تم حفر خندق على امتداد السور في المكان الحالي للساحة الحمراء؛ بغرض الدفاع عن المدينة بعد إحاطة الكرملين بعائق مائي من كل جانب.
تتهادى اليوم أمواج نهر موسكو وترتطم بالشاطئ الغرانيتي قرب جدار الكرملين من الناحية الجنوبية فقط. أما نهر نيسلينكا، فقد تم التحكم في مجراه ليسير داخل أنابيب تحت الأرض حتى الآن، أما الخندق فلقد تم ردمه.
وعندما دخلت القوات الفرنسية بقيادة نابليون موسكو عام 1812 وبقيت فيها طبقاً للمصادر الروسية مدة 39 يوماً، أصدر نابليون أوامره بنسف الكرملين لدى الانسحاب. بعد ذلك، هرع سكان المدينة وتمكنوا من إخماد الحريق بالقرب من بعض الحفر المحشوة بالمفرقعات، ومع ذلك لحق ضرر كبير بأبراج الكرملين وبدرجات متفاوتة والتي أعيد ترميمها فيما بعد.
وفي الكرملين كثير من القصور والمعابد والأبهاء والصالات الجميلة، وقد اندثرت أسماء كثيرين من مبدعيها عبر الزمن. فقد أقام بارما وبوستنيك كاتدرائية بوكروفسكي وأقام ماتفي كازاكوف مبنى الشيوخ السابق وهو مقر البرلمان السوفييتي و(السوفييت الأعلى للاتحاد السوفييتي)، وهو أيضاً كان مقر مجلس وزراء الاتحاد السوفييتي، كما شيد قسطنطين تون قصر الكرملين الكبير المشهور، ليس فقط في الاتحاد الروسي؛ بل في جميع أنحاء العالم والذي استمر بناؤه مدة كبيرة من عام 1838 إلى عام 1849.
في قصر الكرملين الكبير تجري الاجتماعات الدورية لمجلس روسيا الأعلى ومحادثات حزب السلطة والدولة الروسية مع ممثلي الأحزاب والمنظمات في الدول الأجنبية، وهنا أيضاً يجري اللقاء مع الشخصيات العمالية ومع العلماء والكتّاب والشعراء المبدعين، ويجري أيضاً تقليد الجوائز للمبدعين في مجالات الإنتاج والفن والعلوم والثقافة والآداب.
وهنا أيضاً، يتم التوقيع على معاهدات التعاون المشترك بين الدولة الروسية والدول الأجنبية.
وقصر الكرملين الكبير، ليس فقط أثراً معمارياً وحضارياً، وإنما هو بالإضافة إلى ذلك مركز الحياة السياسية لروسيا، والمكان التي تعمل فيه الحكومة الروسية. ومن هنا تُسن القوانين وتُؤخذ أهم قرارات الدولة.
وشهرة الكرملين غير قاصرة على روائع العمارة وحدها؛ فقد عمل هنا أيضاً الحاذقون المهرة من صنّاع السلاح وعمال السباكة وصناع العربات التي تجرها الجياد والنساجون والجواهرجية والرسامون، ونقش الرسامون الروس لوحاتهم على جدران كاتدرائيات الكرملين الشهيرة وهي كاتدرائيات أوسبينسكي وأرخانجلسيكي وبلاجوفيتشينسكي. وهذه الكاتدرائيات موجودة في ساحة واحدة عُرفت باسم ساحة الكاتدرائية، وقد تحولت هذه الكاتدرائيات كلها إلى متاحف موجودة حتى الآن.
ويمكن أن نشاهد داخل الكرملين أيضاً جرس الأجراس الواقع بالقرب من قيصر المدافع. ولا يوجد في أي مكان بالعالم مثل هذا الجرس الضخم الثقيل الذي يزن -طبقاً للمصادر الروسية- 200 طن ويزيد ارتفاعه على 6 أمتار وقطره على 6.6 متر، وهو موضوع على الأرض قرب برج أجراس إيفان العظيم.
وفي عام 1737 استناداً للوثائق الروسية، نشب حريق في الكرملين، وأخذ الجرس يسخن من جراء النار وهو ما زال في الأسفل. وحاولوا إنقاذه بسكب المياه عليه بغزارة، لكن لم يصمد المعدن فتصدع وانفصل عنه جزء صغير تبلغ زنتها استناداً للوثائق الروسية نفسها 11.5 طن.
أما ساعة الكرملين الشهيرة في برج سباسكايا، فقد بقيت فترة طويلة تكاد تكون هي الساعة الوحيدة الدقيقة في البلاد، والساعة تبدو صغيرة من أسفل الساحة الحمراء. أما في واقع الأمر، فقطر مينائها يزيد على 6 أمتار وطول عقربيها نحو 3 أمتار.
وفي أثناء معارك أكتوبر/تشرين الأول الاشتراكية عام 1917، أصيبت الساعة بقذيفة؛ فتوقفت عن العمل، ولكن فيما بعد وبأمر من لينين تم إصلاحها.
في الكرملين عاش وعمل لينين مؤسس الحزب والدولة السوفييتية 5 سنوات. وتولى من هنا قيادة الحزب والدولة وأعد هنا خطبه في أثناء المؤتمرات والاجتماعات وكتب مقالاته، وكان هنا يستقبل الزوار والصحافيين السوفييت والأجانب. وقد تحولت غرفة مكتبه التي عمل فيها وشقته الصغيرة إلى متحف.
مرَّت السنوات وتغير مظهر العاصمة موسكو، ومسَّت التغيرات أيضاً الكرملين، فقد نزعوا من الأبراج نسور القيصرية ذات الرأسين واستبدلوها بالنجوم الحمراء المصنوعة من العقيق الغالي الثمن. وزن كل نجمة -طبقاً للوثائق الروسية- طن كامل. وأصغر نجمة هي الموضوعة في برج فودوفزفودنايا وارتفاعها 3 أمتار.
وعلى الرغم من وزن النجوم الكبير، فهي تتغير مع تغيير اتجاه الريح وتستطيع الصمود بوجه الزوابع والعواصف الشديدة والقوية.
وبالقرب من بناية قصر الكرملين الكبير، ظهرت عام 1961 في منطقة الكرملين بناية جديدة وعصرية هي بناية قصر المؤتمرات بالكرملين.
لقد تم بناء قصر المؤتمرات خلال فترة قصيرة جداً، خلال سنتين فقط، وهو فريد من نوعه في الاتحاد الروسي. ويضم قصر المؤتمرات في الكرملين أكثر من 800 غرفة وقاعة، وأهمها على الإطلاق قاعة الاجتماعات التي تتسع لـ6 آلاف شخص، ويبلغ طول القصر 121 متراً وعرضه 73 متراً وارتفاعه 27 متراً.
في قصر المؤتمرات، بريد، ومراكز اتصال مع العالم الخارجي، وإنترنت، وغرف عمل مخصصة للصحافيين والمحررين والمراسلين الروس والأجانب، ويوجد أيضاً بداخل القصر صالات وقاعات للدبلوماسيين وللصحافة الأجنبية.
قصر المؤتمرات مخصص لأعمال مؤتمرات الدولة الروسية واجتماعات حزب السلطة الدورية، والمؤتمرات الدولية والعالمية، وللاحتفالات الوطنية والشعبية الدورية.
ويقدم مسرح البولشوي الشهير عروضه على خشبة القصر وتقام به أيضاً حفلات منوعة. وتقام في أيام الإجازة الشتوية المدرسية حفلات شجرة الميلاد في قصر الكرملين وعرض الاحتفالات برأس السنة. وأيضاً القصر للأعياد الشعبية واللقاءات والاحتفالات المختلفة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.