ما بعد قتل خاِشقجي ليس كما قبله.. هذه الأمور قد تتغير بشكل نهائي

عدد القراءات
2,075
عربي بوست
تم النشر: 2018/10/31 الساعة 09:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/31 الساعة 09:55 بتوقيت غرينتش
جمال خاشقجي

يؤسس مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي مفصلاً مهماً للدولة السعودية، مفصلاً يلقي بتداعياته على مستقبل محمد بن سلمان تحديداً وصورة المملكة في العالم بشكل عام.

التسريبات المدروسة التي دأبت الدولة التركية على تقطيرها في فم الإعلام، زادت من تعطش المتلقي إلى معرفة المزيد، ما خلق رأياً عاماً عالمياً استمر بوتيرة متسقة، وكانت رافعته الإعلام الأميركي الضارب، الذي جذّر القضية في وجدان العالم، وضغط بشكل واضح على النخب السياسية (خصوصاً في الكونغرس) إلى ترسيم الحدود مع الرياض.

لكن لا يخلو المشهد من سيناريوهات أخرى، قد تحدث، خصوصاً في عالم السياسة المتحرك وفق النغمة البراغماتية، والتي قد تغير التوقعات بشأن هذه الجريمة البشعة، وتحدث تطورات دراماتيكية تصبّ في صالح محمد بن سلمان تحديداً عبر إبرام صفقات اقتصادية أو سياسية ما مع أنقرة أو واشنطن.

تلك السيناريوهات تحدث عنها الكثير من المتابعين، بين مؤكدٍ لها ونافٍ لحدوثها، فالفريق الأول يجزم بأن ثقل السعودية الاقتصادي والجيوسياسي يمكّنها من تجاوز أزمتها من دون الاستغناء عن محمد بن سلمان، أما الفريق الثاني فينفي ذلك لأسباب عديدة منها أن الجريمة البشعة بشأن جمال خاشقجي حدثت في مكان دبلوماسي، وهو ما يعارض بل ويكسر اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية الموقع في الأمم المتحدة في أبريل/نيسان 1961، كما أن الجريمة وقعت بتفاصيل بشعة يندى له الجبين، وحدثت مع "صحافي" ليس في معارضته إلا الكلمة.

 ورغم أن التحقيقات النهائية في الجانب التركي لم تعلن، والروايات المتضاربة من قبل الرياض لم تنتهِ فصولها، فإن الأسابيع الماضية شهدت شداً وجذباً بين الرأيين المتقابلين (إمكانية وجود صفقة سياسية من عدمها)، مما يعزز مقولة أن قضية قتل جمال خاشقجي تحولت من رأي عام عالمي، إلى جدل عالمي يضع مكانة المملكة العربية السعودية عموماً ومكانة محمد بن سلمان، خصوصاً على المحك.

وكل ما سبق في طور الجدل والإثبات والنفي، إلا أن النقاش الذي ينبغي أن يسلط الضوء عليه هو الإجابة على هذا السؤال: (هل سيفقد محمد بن سلمان جزءاً من نفوذه وقوته حتى مع التسليم بوجود صفقة ما؟).

في هذا الإطار ينبغي التنويه بأن الجانب التركي نفى قبوله بأي صفقة، وقال الرئيس رجب طيب أردوغان إن الحقيقة سيعرفها العالم كما هي، كما أن عدداً من المسؤولين نفوا أن يكون في نية أنقرة التفاوض على أي صفقة ما على حساب تغييب الحقيقة أو التستر على الضالعين في الجريمة.

لكن مع ذلك، سنحاول في هذه المقالة أن نؤطر الاحتمالات التي تغلب القول بوجود صفقة، فنسأل: ما هي حدودها وما هي أطرها والأهم: هل ستؤثر على نفوذ محمد بن سلمان سلباً أو إيجاباً أولاً؟

من المعروض أن مفاصل الدولة التركية بيد أردوغان وهو سياسي ضليع وبراغماتي غزير، استطاع أن يتحالف مع الأميركان في سوريا، وينسق مع الروس والإيرانيين في مدى تدخلات تركيا في أجزاء من سوريا بما يخدم المصلحة القومية لبلده، حتى إنه حجز مقعداً في أستانة وسوتشي وغيرها من التفاهمات الروسية الإيرانية في سوريا، وهما أكبر مؤثرين في الساحة السورية.

وبذلك، يصنف أردوغان أنه لاعب ماهر جداً على خيوط التشابكات الدولية، وهو بهذه العقلية وبهذا المخزون، إذا ما فكر في صفقة سواء مع السعودية أو مع إدارة ترمب بشأن جمال خاشقجي، فإنها ستكون صفقة سياسية-اقتصادية، ستضعف حتماً دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لكن كيف؟

يجمع الجمهورية التركية ودولة قطر حلف استراتيجي، في مجالات الأمن والاقتصاد والسياسة، وقد هبت أنقرة لتعزيز هذا الحلف في بداية حصار السعودية والإمارات والبحرين ومصر إلى قطر مطلع يونيو/حزيران من عام 2017، كما أن قطر عززت الاقتصاد التركي الذي تضرر بسبب العقوبات الأميركية التي أعقبت أزمة اعتقال القس الأميركي أندرو برونسون.

فمع المعطيات الإقليمية من جهة، والصفات الشخصية لأردوغان من جهة أخرى، يذهب عدد من المتابعين إلى أن أي صفقة بين تخوم التوترات بين أنقرة والرياض سوف تشمل بالتأكيد رفع الحصار كليا عن قطر، وهذا يعد انكساراً لولي العهد السعودي لو حدث، ذلك لأن رفع الحصار مشروط بثلاثة عشر مطلباً تعجيزياً أعلنته السعودية بداية الحصار، ومعظم تلك المطالب تؤدي لخرق سيادة الدوحة.

كما لو أن ثمة صفقة تلوح في الأفق، فستكون شاملة لوضع الإخوان المسلمين في العالم عموماً وفي مصر خصوصاً، حيث إنهم مقموعون بأوامر سعودية مدفوعة الثمن، دفعتها للرياض للرئيس المصري الحالي، وهذا انكسار آخر لسياسة الرياض الخارجية، بل ولسياسة محمد بن سلمان تحديداً، الأمر الذي يضع السعودية بين نارين، إن لم تقبل الصفقة المفترضة، كشفت الحقيقة وأدين ولي العهد السعودي كرجل يأمر بالجرائم ويخرق الاتفاقيات الدولية، وإن قبلت الرياض الصفقات بتلك الصيغة، والتي لن تخرج عن تلك السقوف، ستكسر الرياض هيبتها، وسيؤول ولي العهد السعودي إلى ركن السياسيين الفاشلين؛ حيث إنه ينقض غزله بيده من بعد قوة أنكاثاً، وفي الحالين، ستبقى قضية قتل جمال خاشقجي معول تغيير في السعودية، سترسم معادلة ما بعدها ليس كما قبلها.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عباس الجمري
صحافي بحريني مقيم في لندن
تحميل المزيد