عندما يضيق الخناق على الشعوب بالأنظمة الديكتاتورية والقمعية والمتخلفة، تتبدل الأخلاق، وتنتشر الأمراض الاجتماعية الفتاكة، وينتشر التجسس والجواسيس، ويعلو صوت السفهاء والمنافقين وموقدي البخور في معابد العهر السياسي، ويتوارى المواطنون المحترمون أو حتى يُغيبوا في غياهب السجون والمعتقلات، وأخيراً تنحدر الأمة.
وفي مصرنا المكلومة بالحكام العسكريين والانقلابات العسكرية، ظهر "زمن فيفي عبده" أيام عصر مبارك. وفي ذلك الزمن، كانت تتبجح فيفي عبده وتهتف بأعلى صوتها "إنها إن وقفت على أموالها فسترَ برج إيفل"!
وفي بداية التسعينيات من القرن المنصرف، كانت فيفي تمتلك السيارة "المرسيدس الشبح" ضمن ثلاثة فقط يملكونها في بر مصر كله؛ هي وعمرو دياب وحسام أبوالفتوح صاحب معارض السيارات المشهور.
ولم يسألها أحد من أين أتت هذه الأموال الطائلة والوفيرة؟ فقد كان زمن يعلو فيه أصحاب الأرجل الذهبية من لاعبي كرة القدم والراقصات، أما العلماء والمبدعون والطبقة الوسطى كلها وحتى المواطن البسيط المحترم فلا مكان له في ذلك العصر، والذي يريد أن يبدع فعليه أن يحتذي حذو العالم أحمد زويل -رحمه الله- وأن يهاجر إلى الخارج. وها هم شباب مصر ما انفكوا يغرقون في عرض البحر أثناء هجرتهم على مراكب متهالكة بعدما تملك اليأس من نفوسهم!
وفي زمن فيفي، انحسر الطرب العربي الأصيل وحتى اللحن العربي الأصيل، وظهر الفيديو كليب والمجون المصاحب له واللحن الغربي، وبرز على السطح شعبان عبدالرحيم ليس فقط في ميكروباصات حيّ الشرابية، إنما على المسرح "مسرحية دوري مي فاصوليا" وفي الأفلام والمسلسلات، وبرزت فيفي عبده وهي ترقص وتتعرى في مسرحية "حزمني يا بابا"، وبعدما اعترضت الرقابة على الاسم الماجن، غيروا اسم المسرحية "لحزمني يا"، (منتهى الأدب والأخلاق والقيم)؛ وكأن المشكلة في الاسم وليس في المضمون!
وامتد ذلك العصر حتى أمسى أسوأ وأسوأ بعد انقلاب السيسي المشئوم في 3 يوليو 2013، وظهر عصر مرتضى منصور والمكمل لعصر فيفي!
وهذه بعض أبرز ملامح عصر مرتضى منصور:
1- اتهام ثوار يناير بالعمالة لجهات خارجية والأخونة وحتى بالإرهاب
بعد انقلاب السيسي في 2013، برزت موجة عاتية من اتهام ثوار يناير بالعمالة لجهات خارجية وأحياناً بالأخونة والانضمام لجماعة إرهابية، ومرتضى هو الأعلى صوتاً في هذه الموجة العاتية.
وطبعاً، منْ يقعْ تكثر السكاكين عليه كما يقول المثل.
2- ترسيخ الكذب وقلب الحقائق والبلطجة
وهذه صورة من قلب الحقائق:
أيام حكم محمد مرسي، أشاد المستشار مرتضى منصور بجماعة الإخوان المسلمين، وبعد 3 يوليو 2013، أخبرنا مرتضى في حوار تلفزيوني بأن مرسي قد اغتصب السلطة بعدما تم تزوير مليوني صوت له في انتخابات الرئاسة، وقال: لولا السيسي لعدنا لزمن الطرابيش…[1]
وما برح مرتضى يمارس البلطجة، ويهاجم مع بعض البلطجية مجلس الدولة، ويهاجم ثوار يناير بشراسة؛ لأنه جزء من الثورة المضادة ابتداءً من دوره في معركة الجمل أبان ثورة يناير 2011 وحتى الآن!
هل مرتضى مرتبط بجهاز مخابراتي يحركه كيفما يشاء؟
3-CD لكل مواطن
كلما اختلف مرتضى مع أي أحد، هدد الأول الأخير بأنه سيخرج له CD فيه كل الفضائح!
4- علو السُباب وشتم الأعراض على الهواء مباشرة
ونجد هذا المستشار وهو يشهر بالمختلف معهم في آرائهم ويصرخ على الهواء "فاكر نادية بتاعة عين شمس وفلة بتاعة الزيتون وعايدة بتاعة كوبري الليمون، وهكذا حتى يأتي على محطات خط مترو المرج كله"، ويسبّ أمهاتهم ويطعن في أعراضهن على الملأ (عيني عينك) وحتى يسبّ بالدين!
5- لغة الأعلام السوقية والتحريضية حتى على القتل
واسمع إلى ما يقوله أحمد موسى في برنامجه "على مسئوليتي" على سبيل المثال؛ فهو يصرخ ويقول "عايز دم… عايز جثث" بداية من مجازر رابعة وأخواتها وحتى تهديده وأَضرَابِه من الإعلاميين التحريضيين بقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، رحمه الله! وها هو قد اختفى خاشقجي إلى الأبد؛ لعل وعسى أن تكونوا قد ارتويتم من دمائه ودماء غيره!
6- شو افتعال الأزمات والخناقات كل فترة
كلما خمدت أخبار مستشارنا الهمام، افتعل أزمة أو خناقة مرة مع شوبير، ومرة مع حازم إمام، ومرة مع أبوالمعاطي زكي في اتحاد الكرة وعلى الفضائيات على الهواء مباشرة مع تبادل السباب و.. و..
7- التحريض على اعتقال وقتل شباب الألتراس
الأنظمة الحاكمة المحترمة تأخذ بأيدي شباب الأمة وتطور إمكاناتهم وقدراتهم وحماسهم إلى ما يعود عليهم وعلى أمتهم بكل تقدم وازدهار ورقي وإبداع في كل المجالات، أما الأنظمة المتخلفة فهي التي لا تطيق وجود أي تجمع منظم من الشباب أو حتى من الشيوخ أو العجائز.
وكان الجيل الذي اعتنق دعوة الإسلام على يد الرسول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- جله من الشباب، أما الشيوخ فقد حاربوا الدعوة الإسلامية في مهدها. وثورات الربيع العربي قامت جلها على أكتاف الشباب، وقدموا أرواحهم فداء لأوطانهم.
فالشباب هو عصب الأمة ويجب أن نعتني به أيما عناية، لا أن نحاربه ونعتقله ونصفيه جسدياً بسبب هتاف غير لائق أو بسبب اعتناق أفكارا ضد المجتمع أو ضد النظام الحاكم!
ولقد ضرب نظام مبارك مثلاً عظيماً حينما اعتنى بمراجعات الجماعات التكفيرية والجهادية عام 1997 حتى أفرج عن أغلبيتهم، وإن كانت المراجعات لا تتم في السجون.
وبعد ثورة يناير 2011، تحولت الجماعة الإسلامية إلى "حزب البناء والتنمية" الذي اضطُهد بعد انقلاب السيسي 2013 وفرَّ بعض زعمائه إلى الخارج وقتل بعضهم في المعتقلات تعذيباً أو بالإهمال الطبي المتعمد مثل الدكتور عصام دربالة، رحمه الله، أما ما قبل عصر المراجعات فقد كانت (لغة الدم) هي السائدة ولم تفلح في شيء، بل زادت الإرهاب إرهاباً؛ وانظر إلى ما يحدث الآن من تنظيم داعش في سيناء وكيف تأججت نار الإرهاب على يد قوات الأمن والجيش.
8- اغتيال الجماهير في الملاعب على الهواء مباشرة
كان لشباب الألتراس دور كبير في ثورة يناير 2011؛ فلماذا لا ننتقم منهم ومن تجمعهم الحماسي؟ فقامت يد الغدر والخسة وقتلت جماهير النادي الأهلي في استاد بورسعيد في 1 فبراير/شباط 2012، حينما قُتل 72 شاباً، وتاريخ أول فبراير 2012 ليس اعتباطاً، إنما هو يوافق الذكرى السنوية الأولى لمعركة الجمل في ميدان التحرير إبان ثورة يناير.
ولم تتشفَّ نفوسهم من الدماء، فلذلك ما فتئت يد الغدر تكيد وتدبر لمجزرة جديدة، فبعد ثلاث سنوات من مجزرة بورسعيد، وقعت مجزرة أخرى لجماهير نادي الزمالك في استاد 30 يونيو في 8 فبراير 2015 حيث اغتيل 19 شاباً خنقاً بالغاز المسيل للدموع بعدما غلقُّوا أبواب الاستاد أمامهم حتى لا ينجون من الموت خنقاً!
وُيعتقل شباب الألتراس من بيوتهم بسبب ودون سبب.
9- إقامة المباريات دون جمهور
هل يُعقل أن تقام المباريات دون جمهور؟ فأي روح للمباراة دون جمهور؟ وأي حماس يلعب به اللاعب والمدرجات قد أصابها الخرس بغياب الجمهور؟!
10- توقيف الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) لرئيس نادي الزمالك لمدة عام
وفي حدث غير مسبوق في عصر زمن مرتضى منصور لم نفاجأ بتوقيف الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) لرئيس نادي الزمالك المستشار مرتضى منصور لمدة عام بسبب تصريحاته المسيئة. فهل حدث في تاريخ الرياضة المصرية كله مثل هذا التوقيف لمدير نادٍ كبير أو صغير؟!
قبل عصر مرتضى منصور كان منصب مدير نادي الزمالك أو النادي الأهلي له المهابة والتقدير والاحترام وكأنه منصب رئيس وزراء وليس رئيس نادٍ رياضي؛ وانظر إلى رؤساء النادي الأهلي بداية من عزت عزيز باشا 1908 – 1912 وحتى حسن حمدي 2002 – 2014، وانظر إلى رؤساء نادي الزمالك بداية من جورج مرزباخ 1911 – 1915 حتى كمال درويش 1996 – 2005، لا تجد مثل نوعية مستشارنا الهمام ولا سوقيته ولا سبابه، إنما تجد كل الاحترام والتقدير والفخر والمهابة.
وكانت الرياضة هي إحدى قوى مصر الناعمة، ودخلنا كأس العالم عام 1934، وبعد انقلاب 23 يوليو 1952 وحتى الآن، تدهورت الرياضة وكل قوتنا الناعمة بالتدريج.
وبعد مجيء السيسي، وفي عصر مرتضى منصور، يُضطهد لاعب ويحرم من اللعب بمصر بسبب (تويتة) مخالفة أو حتى ناقدة لنظام الحكم، ويُتهم لاعب آخر بالإرهاب لأنه رفع علم فلسطين أو له رأي يخالف النظام الحاكم، ويستولى على أموال لاعب ثالث بسبب عدم نفاقه لنظام الحكم، مع أن السيسي هتف (اتكلموا براحتكم)، ودستور السيسي الذي وضعه في 2014، تنص فيه المادة 65 على حرية الرأي والفكر!
وفي زمن مرتضى منصور، وهنت قوتنا الناعمة في الرياضة أيما وهن، ووجدنا منْ يأتي بأمواله الخليجية الطائلة ليعيث فساداً في الألعاب الرياضية، ويدمر ما تبقى من الرياضة الرياضة المصرية، يا لطيف يا رب.
فإذا كان المستشار مرتضى منصور قد استقال –وهو رئيس محكمة- من القضاء المصري في موقف محترم غير مسبوق في تاريخ القضاء المصري بسبب سخرية عادل إمام من مهنة المحامين في أحد أفلامه، أفلا يستقيل من الرياضة ومن (الشو) الإعلامي ومن كل ما يتعلق بالعمل العام بعدما كثر لغطه وسبابه وأخطاؤه وحروبه الإعلامية وتدميره لنادي الزمالك وللرياضة المصرية؟
أم أنه صناعة لنظام 3 يوليو 2013 الانقلابي لكي يدمر ما تبقى من قوتنا الناعمة في الرياضة المصرية وغيرها؟!
[1] اليوم السابع: 6/8/2018 فيديو.. مرتضى منصور: مرسي اغتصب السلطة ولولا الرئيس السيسي لعدنا إلى زمن الطرابيش
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.