هذا العنوان ليس من نوعية العناوين التي تستهدف فقط جذبك للقراءة -على ما لهذا من بالغ الأهمية عندي- ولكنه عنوان يعالج مسألة حقيقية وخطيرة، فمن منا لا ينتابه القلق من فترة إلى أخرى؛ بل دعني أكن أدق وأقول: من منا يغادره القلق أساساً؟ فالقلق -وخصوصاً في ظل ما تعيشه أمتنا الإسلامية والعربية من أحداث جسام- أصبح ملازماً لأكثرنا.
وهذه الأحداث التي نعيشها بصورة يومية، ضغطت على أعصاب بعضنا، فأصبح هذا البعض معتاداً ما يحدث من كوارث، حتى أصيب بنوع من اللامبالاة، وعدم الاكتراث لما يحدث، بحجة أنه ليس في الإمكان حدوث أسوأ مما كان؛ بل إن البعض منا أصيب بِحيرة أفسدت بوصلته، حتى التبست عليه الأمور، فصار لا يعرف؛ أعلى الحق هو أم على الباطل.
وحتى عندما يتأكد أنه على الحق، فإنه يجد نفسه عاجزاً عن التغيير، عاجزاً عن نصرة ما يعتقد أنه الحق، مفتقداً الوسيلة التي يستطيع بها خدمة قضيته، فإذا أتعبه التفكير في هذا الموضوع قرر أن يريح نفسه، بأن ينفض يديه من كل قضايا دينه ووطنه، فصار لا يتابع ما يحدث من أحداث رهيبة، تتغير بناء عليها خرائط الدول، وخرائط التفكير والأيديولوجيات.
هذا النموذج من الناس، الذي قرر إراحة نفسه، والتخلي عن قضيته، نموذج مرعب، بكل ما تحمله كلمة "الرعب" من معانٍ، فعدم قلق الإنسان على أمور دينه ووطنه، من أخطر الأشياء التي قد يتعرض لها أي دين وأي وطن، صحيح أن الدين محفوظ، سواء قلقتَ من أجله أو لم تقلق، والوطن يزخر بالرجال الذين سيحلُّون محل من يتخاذل، ولكن المشكلة تكمن هنا في خسارة الشخص، الذي ضيَّع على نفسه فرصة الوقوف مدافعاً عما يعتقد.
ومصداقاً لذلك، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، فإذا وجدت نفسك لا تقلق لأمر من أمور أمتك فأنت في مشكلة حقيقية، تستدعي العلاج العاجل، فالقلق على أمور دينك وأمتك هو قلق يطمئنك إلى أنك على الطريق الصحيح، ولا يتعارض هذا أبداً مع الاطمئنان إلى نصر الله الحقَ على الباطل، فمن منا لا يذكر قلق الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل معركة بدر، وإشفاق سيدنا أبو بكر عليه من شدة هذا القلق؟ فهل نستطيع هنا أن نقول إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن مطمئناً إلى نصر الله إياه؟ بالطبع لا، ولكن هذا القلق هنا هو الشعور الطبيعي للإنسان المسؤول الحريص على أمور دينه ودعوته.
لذلك، فإذا لم تكن تعاني القلق من أجل أمور دينك ووطنك، فيجب أن تسارع إلى مراجعة أفكارك وأولوياتك، حتى تقع على المشكلة التي أوصلتك إلى هذه الحالة الخطيرة، أما إذا كنت ممن رُزق القلق والاهتمام لمصير دينه ووطنه، فهذه نعمة أغبطك عليها، ما دام هذا القلق من النوع الذي يدفعك للعمل.
ولقد وجدتُ في الآونة الأخيرة من يدعو الناس إلى عدم متابعة الأخبار، بدعوى أنهم لن يستطيعوا التغيير في مجرياتها، وكان يبرر دعوته أيضاً بأن هذا مجرد تضييع للوقت، وأنه من الأَولى للشخص أن ينشغل بأمور معاشه وتصريف حياته اليومية بدلاً من الانكباب على متابعة الأخبار.
وهذه في نظري دعوة خطيرة للغاية، فالمفترض في المسلم أن يكون إنساناً واعياً بما يدور في عالمه، وألا ينفصل عن قضايا أمته؛ لكي يستطيع أن يكون فاعلاً إذا حان وقت التغيير وإحداث الأثر. فأنا هنا أتساءل: كيف لمسلم ألا يتابع من كثبٍ، ما يحدث في فلسطين -مثلاً- بدعوى أنه لن يستطيع تغيير أي شيء من الأمر الواقع هناك؟ ألا يجدر بنا أن نورّث قضيتنا لأبنائنا إن لم نكن نحن سنغير، وأعوذ بالله من هذا المصير؟ ألم يقولوا قديماً: "إن البعيد عن العين بعيد عن القلب"، فكيف لنا ألا نتابع باستمرارٍ، هموم أمتنا لكي نحافظ على حرارة قضايانا التي نعيش من أجلها، وهذا أضعف الإيمان؟
وإذا كنا مأمورين بدراسة التاريخ للاستفادة مما وقع للأولين، وتجنُّب الوقوع في أخطائهم والتأسِّي بمآثرهم، أفلا يكون من الواجب علينا حسن متابعة حاضرنا والاستيقاظ لما يحدث حولنا من تقلبات!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.