باتت السعودية في ورطة حقيقية أمام الأحداث الدراماتيكية التي وقعت خلال الأيام القليلة الماضية بعد اختفاء الصحفي والكاتب السعودي جمال خاشقجي، الذي دخل القنصلية السعودية في تركيا، ولم يعثر له على أي أثر في ذلك اليوم المشؤوم!
القتل بدم بارد
ويبدو أن القضاء التركي أصبح أمام الاختبار الصعب الذي يمر به في مثل هذه الظروف المفاجئة وغير المتوقعة.. إذ إن وقوع أي جريمة على أرض دولة، وبخاصة إذا حدث في أحد الأماكن الدبلوماسية يحتم إجراء بحث دولي بهذا الشأن. وهو يجعل من تركيا دولة قوية وواثقة من نفسها، لكشف من يتآمر ضد الحق في الحياة وحرية الصحافة مهما كانت الأسباب.
اختفاء خاشقجي والبحث الجنائي
كانت صدمة حقيقية للعالم أجمع.. ولعله إذا ثبت صحة مقتله، فإن المنظمات العالمية والهيئات الحقوقية ستتعامل مع هذا الحدث من باب الأمانة والشفافية لمكافحة كل من تجاوز حدوده وتعدى على مبادئ وأهداف منظومة حرية الصحافة المكفولة لجميع الكتاب والإعلاميين دون استثناء.
كما أن من ارتكب الجريمة النكراء -إذا ثبت ذلك- سيتلقى العقوبات الصارمة، ولن يفلت منها أي مجرم.
يجب أن تكون هناك محاسبة
وهذه المحاسبة أو المساءلة القانونية يفترض أن تخضع لأقسى معايير العقاب الجنائي الدولي، لكي تصبح مثل هذه الجريمة عبرة لمن يعتبر، بعيدا عن إحلال عامل العاطفة والشفقة تجاه أصحاب أي جريمة بشعة ترتكب في حق كل شخص بريء لا يستحق هذا الجزاء.
كشف الحقائق بكل شفافية
ولهذا، فسيكون القضاء التركي والجهات الأمنية أول من يتعامل مع هذه الحادثة بكل قوة، من أجل إثبات تركيا للعالم أنها دولة لا تتساهل مع الإرهاب وممارسته على أراضيها.
وفي حالة إدانة من ارتكب هذه الجريمة، فإن القرار التركي سيكون موجعا في لحظاته التاريخية الذي سينعكس بشكل إيجابي على القضاء الدولي فيما بعد. لأنه يحاسب الدول التي ساهمت في نشر الإرهاب على أراضيها.
حرية الصحافة ونشر الحقائق
وما من شك أيضا من أن حرية الصحافة هي من غايات الشعوب والأمم التي تحلم بتنفس الصعداء من خلال هذه المهنة الشريفة التي تسهم في بناء العقول وتنمية المجتمعات وتنويرها. فمن كان نزيها وشفافا طوال حياته في استخدام الصحافة الاستخدام الأمثل لبناء وطنه، لا يستحق كل هذه النهاية المأساوية التي لم تكن تحدث إلا من خلال الاستبداد والغطرسة، عبر التفرد في القرار وعدم الاستماع للرأي الآخر.
ولعل تصريحات أردوغان حول قضية اختفاء الكاتب السعودي جمال خاشقجي تنبئ عن احتمالات مَقتَلِه. وزادَت الأزَمَة تَعقيدا عندما اصبحت القضية ملتبسة وأكثر تعقيدا في فصولها الغريبة. لكنّها أعطَت بعض الأمل في التوصل لخيوط الجريمة المدبرة على الأراضي التركية.
وما نتمناه بالفعل هو أن يكون "خاشقجي" على قيد الحياة. مع المحاسبة الكاملة لمن تورط في العبث الأمني بتركيا. ويرى بعض المحللين والنقاد في الصحافة الدولية، أن يتم تحقيق دولي في هذا الشأن لمعرفة حيثيات اختفاء "خاشقجي" حتى الآن.
كلمة أخيرة
كان "خاشقجي" يعلم علم اليقين أنه لن يعيش في هذه الحياة بصمت مطبق.. بل كان يؤمن بشكل كبير بأن حرية الكلمة عملية اساسية في نشر الوعي بين المجتمعات.
إن التخاذل عن هذا المبدأ يجعل الصحافة وسيلة رخيصة لا تستحق الرعاية أو الاهتمام بها. ولهذا كان بطلا وطنيا في صورة المجتمعات الغربية قبل المجتمعات العربية.
يقول نابليون: "الصحافة الحرة يستحيل كسرها.. وستعمل على هدم العالم القديم حتى يتسنى لها أن تنشئ عالما جديدا".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.