ماذا تفعل عندما يغضب طفلك؟!
كيف تتصرف معه وماذا تقول له؟!
كيف تشعر أنت عندما يغضب؟!
كل الأطفال تجتاحهم مشاعر الغضب مرات عديدة. وقد قابلت كثيراً من ردود الأفعال المتباينة من الآباء تجاه غضب أطفالهم.
منهم من يقابل غضب الطفل بغضب مثله أو أشد.
ومنهم من يعاقب طفله عندما يغضب.
ومنهم من يحاور طفله محاولاً شرح مساوئ الغضب.
ومنهم من يتجاهل الطفل تماماً حتى يتوقف عما يفعله بسبب الغضب.
ومنهم من يتماسك ويخبر ابنه بهدوء أن الغضب قبيح ولا يصح للإنسان أن يغضب.
ما هو الغضب؟
في الحقيقة الغضب واحد من المشاعر التي خلقها الله -عز وجل- داخل الإنسان، فمن الطبيعي أن يمر بنا جميعاً، وأن نختبره بشكل أو آخر.
هو حالة عاطفية تتفاوت في حدتها من شخص لآخر؛ ما بين التهيج الخفيف، والغضب الشديد. لذا هو شيء طبيعي يحدث داخلنا، ليس بسيئ ولا جيد.
كيف يحدث الشعور بالغضب داخل المخ؟
يحدث الشعور بالغضب داخل الإنسان عندما يشعر بتهديد "معنوي وليس جسدياً"، مثل الإحراج، أو العقاب، أو الرفض الاجتماعي.. إلخ.
وعندما تستقبل (شبكة الخلايا العصبية في المخ) ذلك التهديد، فإنها توقف عمل القشرة المخية الأمامية والمسؤولة عن التفكير والمنطق وعواقب السلوكيات.
يقل وصول الأوكسجين للمخ ويتدفق إلى العضلات، ويزيد في الجسم نسبة هرمونات الطاقة (الأدرينالين، والنورأدرينالين).
وتتولد لدى الطفل/ الإنسان وقتها قوّة وتدافع في المشاعر، ويكون أول رد فعل عادة هو رد فعل قوي وعنيف.
ويترجم ذلك التصرف في شكل استجابة "تصرف" من الاستجابات الثلاث التي ينتجها المخ عند الشعور بالتهديد، وهي الـ 3 Fs:
(Fight) وفي هذه الحالة يكون التصرف هجومياً عنيفاً لحماية صاحبه من التهديد.
(Flight) وهي الهروب لعدم مواجهة الخطر/ التهديد.
(Freeze) وهي التجمد في المكان دون القدرة على الإتيان بأي رد فعل.
تلك الاستجابات الثلاث استجابات لا إرادية تنتج تلقائياً عندما يتلقى الإنسان شعوراً بالخطر/ التهديد سواء المعنوي أو الجسدي.
والسبب الرئيسي لشعور المخ بالتهديد عند حدوث موقف ما، يكون الفكرة التي دارت بعقل الطفل/ الإنسان عند حدوث هذا الموقف. فنفس الموقف قد يسبب الشعور بالغضب الشديد لشخص، ولا يؤثر إطلاقاً في شخص آخر. فما يفرّق بين الحالتين هو الفكرة وراء الشعور.
وهناك أيضاً الأسباب العضوية التي تسبب الشعور بالغضب دون أن نشعر، مثل الجوع، والعطش، وقلة النوم، والألم الجسدي، والإرهاق.. وغيرها. فكل تلك الأسباب تشكل تهديداً على الإنسان في نظر المخ.
حسناً.. ماذا عن ردود أفعال كثير من الآباء تجاه شعور أطفالهم بالغضب؟!
بعد أن بيّنا كيف يحدث الغضب داخل المخ، وكيف يُنتِج داخلنا هرمونات طاقة تحرك وتوّجه سلوكياتنا لا إرادياً. فماذا يحدث إذا تم كبت هذا الغضب أو معاقبة الطفل أو تجاهله عند الشعور به؟
ينتج مستويات عالية من التوتر داخل جسم الطفل، ما يزيد في الكبر فرص الإصابة بأزمات قلبية، ومرض السكري، وضعف جهاز المناعة، والأرق المزمن، وارتفاع ضغط الدم.
كما أنه يؤدي إلى تشوش التفكير، وقلة التركيز، ويعرّض صاحبه للإصابة بالاكتئاب، والقلق المزمن، وغيرها من الأمراض النفسية والعقلية.
إذن كبت الشعور بالغضب وتجاهله شيء في غاية الخطورة على الطفل. وعلى النقيض، فالتعبير عنه في ذروة عنفه واشتعاله أمر غير صحيّ إطلاقاً.
والهدف الرئيسي من تعليم الطفل إدارة غضبه هو مساعدته على فهم الرسالة الخفية وراء هذا الشعور (وهي رغبته أو احتياجه في ذلك الوقت)، والتعبير عنها بشكل صحي.
وفيما يلي خطوات التعامل مع شعور أبنائنا بالغضب بشكل سليم:
1- لا تناقش الطفل: ولا تقوّمه، ولا تتخذ أي قرارات. فالمنطقة المسؤولة عن التفكير والمنطق في المخ لا تعمل في ذلك الوقت. دعه يهدأ تماماً قبل أن تتحدث معه بعقل ومنطق.
2- تعليم الطفل وسائل التهدئة الذاتية، التي تساعده على الهدوء والاسترخاء. مثل:
التنفس العميق: ببطء ومن البطن وليس الصدر، ليساعد في عودة الأوكسجين للمخ وبالتالي تقليل التوتر واستعادة المنطق والتفكير.
التحرك والدفع: ليساعد على تخريج الطاقة المتدفقة في الأطراف والعضلات. ويتم بأي شكل وفي أي مكان مثل الجري، القفز، صعود وهبوط السلم، ضرب وسادة، التلوين، بناء برج بالمكعبات وهدمه.. إلخ.
3- امنح الطفل بعض الوقت: عليك الصبر والانتظار لبعض الوقت حتى يهدأ الطفل. تستغرق عملية الهدوء التام حوالي 20 دقيقة، وقد تزيد.
كثير من الناس يظنون أنهم هدأوا بالفعل، بينما عقلهم فعلياً لم يصل بعد لحالة الاستقرار والعودة للعمل بطبيعية.
4- معالجة الأسباب العضوية: التأكد أن الطفل في حالة شبع ونشاط واكتفاء بالنوم قبل التطرق للبحث عن منطق غضبه وسببه.
5- علّم طفلك البحث عن الرسائل الخفية وراء شعوره بالغضب: فعادة ما يكون الشعور بالغضب هو غطاء لمشاعر أخرى خلفه مثل الشعور بالحرج، عدم الأمان، الألم. أو ناتج عن رغبة معينة لا يستطيع الطفل تحقيقها، أو احتياج غير مشبع.
وطفل الأربع والخمس سنوات يستطيع أن يعرف ماذا يريد ويشعر حقاً إذا تدرب على ذلك. في البداية يحتاج مساعدتك كأب/ أم على كيفية التواصل مع نفسه ومع الوقت سيستطيع عمل ذلك وحده.
6- تعليمه مهارات حل المشكلات: فمع كل موقف غضب تظهر فرصة جديدة للتدريب على البحث عن حلول وإيجاد بدائل لتحقيق ما نريد. وإذا لم يتعلّم.الطفل تلك المهارات، فهو يتأهل بجدارة لحياة مليئة بمشاعر الإحباط والغضب والكراهية لكل شيء حتى نفسه.
7- علِّم طفلك عن الاستجابات اللاإرادية الثلاث: عرّفه ما هي تلك الاستجابات وكيف تحدث في المخ.
علّمه أنه يمكنه إدارة غضبه. فبينما لا يملك ألا يشعر بالغضب، إلا أنه بيده التحكم في طريقة التعبير عنه.
8- التوقف: عندما تتملك مشاعر الغضب من الطفل فعليه أن يبتعد عن مثير هذه المشاعر. وإن لم يستطع فعليكم كآباء مساعدتهم على ذلك.
الفكرة هنا ليست إقصاء، بل إتاحة فرصة ليهدأ فيها العقل وبالتالي تهدأ مشاعر الطفل، ويستطيع التعبير مشاعر غضبه بشكل صحي وسليم.
9- تقبّل الطفل وأشعره بهذا: من المهم أن يتأكد الطفل وقت غضبه أنه لم يخسر حبك له. فتدفق الغضب والمشاعر السلبية داخل الطفل تجعل ثقته تقل في حبك وتقبلك له كأب/ أم، ويجب أن يستعيد تلك الثقة في وقتها حتى لا تنعكس على تقديره هو الذاتي لنفسه.
وفي النهاية تذكر أنهم أطفال وأن نموهم العقلي والنفسي لم يكتمل بعد. حتى بعد تعليمهم وسائل وطرق لإدارة مشاعر الغضب لا تتوقع منهم المهارة بها بسرعة وسهولة وكمال.
اعلم أن هذا سيأخذ معهم وقتاً، وسيتطلب منهم الكثير من التمرين، ومنك أنت كأب/ أم المثابرة والصبر.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.