مع تطورات الذكاء الصناعي المطردة ومخاوف تفوق الآلة على الإنسان وإمكانية تحكمها فيه، ظهرت أهمية فرض ضمانات أخلاقية على تلك التطورات. ظهر أثر ذلك في اهتمام الكثير من الجامعات بتحديث برامجها الدراسية الخاصة بالذكاء الصناعي، لتفرد فيها جزءاً عن أخلاقيات العمل في هذا المجال، ومنها جامعة ستانفورد وجامعة يال ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
تابعت مناقشات تطورات التكنولوجيا ضمن المنتدى الاقتصادي العالمي، التي انتهت منذ أسابيع قليلة بشغف لاستيعاب ما يجري من تطورات في فترة من أثرى فترات التطور التكنولوجي. فيما يخص تطورات الذكاء الصناعي كان من بين المتحدثين البارزين رائد الأعمال البريطاني الشاب "مصطفى سليمان".
في التاسعة عشرة من عمره ترك مصطفى دراسته في جامعة أكسفورد، ليشارك في تأسيس مشروع "خدمة الشباب المسلم عبر الهاتف"، وهو مشروع خدمي خيري يهدف إلى تقديم الإرشاد الديني والنفسي والثقافي لمسلمي بريطانيا، وقد حصل المشروع على العديد من الجوائز. أعقب ذلك عمله كمساعد لعمدة لندن فيما يخص حقوق الإنسان ثم ساهم في تأسيس "شركاء ريوس" المتخصصة في "صناعة التغيير" وإيجاد حلول للمشكلات المعقدة من خلال الحوار بين جميع الأطراف المعنية، والتي عملت مع هيئات للأمم المتحدة، والحكومة الهولندية وغيرها من الهيئات الدولية.
في 2010، أسس مصطفى مع شريكين آخرين شركة Deep learning، وهي من الشركات الرائدة في مجال الذكاء الصناعي، وقد استحوذت عليها جوجل في 2014 مقابل 400 مليون جنيه بريطاني في صفقة من أكبر الصفقات على مستوى أوروبا، وأصبح مصطفى مسئول تطبيقات الذكاء الصناعي، واضطلع بمهمة تحديث منتجات جوجل بمختلف أنواعها بتقنيات الذكاء الصناعي، في شراكة أتاحت لـ Deep Learning الحصول على موارد تقنية ومادية ضخمة ستساعدها على تحقيق إنجازات أكبر مما أنجزت.
الأمر الفريد بخصوص شركة Deep Learning ليس ما أنجزته في مجال الذكاء الصناعي، ولكن تركيزها على البعد الأخلاقي وكيفية ضمان الالتزام به، وتخطيطها للقيام بدور رائد في دراسة وتوجيه وصياغة الأسس الأخلاقية، بالتعاون مع الهيئات العلمية والتعليمية ومن خلال تمويل الأبحاث والدراسات التي تكفل ذلك. الأمر ليس غريباً إذا نظرنا إلى تاريخ مصطفى سليمان العملي، واهتماماته كناشط اجتماعي قبل أن يكون متخصصاً تقنياً.
إذا كنا ننظر بعين القلق لتطورات الذكاء الصناعي فإن وجود من لهم وعي وأفكار مصطفى سليمان يطمئننا بعض الشيء، كذلك قيام الجامعات بتحديث المقررات الدراسية لدارسي الذكاء الصناعي، والتأكيد على أهمية وضرورة مراعاة البعد الأخلاقي والآثار الاجتماعية أمر مطمئن.
في نهاية المقال أود أن ألفت نظر القارئ إلى أمرين، وأترك لكم التفكير فيهما، الأول أن مصطفى لم يكمل دراسته الجامعية في جامعة من أعرق جامعات بريطانيا وقرر أن يتبع "أحلامه" بتأسيس مشروع خيري! الثاني أن مصطفى سليمان لم يصل بعد إلى الثلاثين من عمره!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.