أشرق منذ أيام عام هجري جديد بالخير والبركة على الأمة الإسلامية، وبهذه المناسبة نتأمَّل معاً هذا الحادث، الذي كان إيذاناً بتحوّل عظيم في حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، حيث فرَّ الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- من أذى قومه من أحب بلاد الله إليه "مكة" إلى "المدينة المنورة"، راجياً آمِلاً موعودَ الله عز وجل، موقناً أن الله لن يضيّعه.
في تلك الرحلة المباركة ومعه صاحبه أبوبكر الصدِّيق، يعلّمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف يكون الصبر من أجل تحقيق الغايات العظيمة، والأهداف السامية، بالانتصار لدعوة الحق، ونداء الله عز وجل.
نتوقف هنا أمام مشاهد عظيمة.. فها هو المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يختبئ في "الغار" هو وصاحبه أبوبكر الصدِّيق، وها هم المشركون على باب الغار، كادوا يقضون على النور الذي أشرق في ظُلمات الضلال، لكن أنَّى لهم ذلك؟! وهنا يقول صاحبه أبوبكر متوجّساً خائفاً: "لو نظر أحدهم يا رسول الله تحت قدمَيه لرآنا"، ولكن أنَّى لهم أن يخترقوا حصون توكّله على الله، ودروع حُسن ظنِّه بربه، فصاحِبه "أبوبكر" حزين مترقِّب قلِق، وهنا يأتي الأمل من مُعلِّم الناس الأمل، قائلاً بكل ثقة: "يا أبا بكر، لا تحزن إن الله معنا.. ما ظنّك باثنين الله ثالثهما؟"، إنها الثقة في موعود الله، والتوكل على مفرّج الكروب وقت الضيق، وقد سبقه في ذلك خليل الرحمن "إبراهيم"، عليه السلام، حينما ترك زوجته "هاجر" ورضيعها "إسماعيل" في أرض جرداء، لا زرع فيها ولا ماء، بأمر من الله، فإذا عينُ ماء تفجّرت من تحت قدمَي "إسماعيل" ما زالت تفيض بالخير على بلاد الحرمين إلى يومنا هذا، شاهدة على أن بداخل المحنة تكمن المنحة، وأن مع العسر يكون اليسر.
وها هو سُراقة بن مالك يلحق بالمصطفى وصاحبه الصدّيق، مُهدداً ومتوعداً بالقضاء على راية الحق، فإذا بمعلم الناس الأملَ والطموح بلا حدود، يقول له: "ارجع يا سُراقة ولك سواري كسرى"، قالها رغم أنه ما زال يعاني من وعورة الطريق، ما زال بين جحود الكفار في الماضي وغياب معالم الحاضر، ولكنه يكفيه ظنُّه بربه، أيّ أمل هذا؟ وأي ثقة تلك؟! كيف تعطي ما لا تملك الآن؟ أين أنت الآن يا حبيبي يا محمد من ذلك؟ أليس "كسرى" وقتها ملك الفرس الذي يهابه الجميع، وهو إحدى القوتَين العُظميين في ذلك الزمان؟ ويعود "سُراقة" من حيث أتى، مكتفياً بموعود الصادق المصدوق، ويصل النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه تَحفُّهما البركات والرحمات، إلى منبع الرحمة والنور، تلك المدينة المباركة "يثرب" التي شرَّفها الله بقدوم خير البشر؛ ليؤسس منها وبأهلها وبأصحابه حضارةً خالدةً علَّمت الدنيا كلها، كيف يكون الصبر، وكيف يكون الأمل إلى يوم الدين.. كل عام وأنتم بخير، وعام هجري سعيد.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.