كان موعد القطار السابعة والنصف وأنا أجري للحاق به كما في الأفلام السينمائية، أنظر لساعتي الساعة سبعة ونصف إلا 5 دقائق "يا مسهل الحال هالحقه".
قلتها وأنا أنظر للقطار على الرصيف من الخارج قبل أن يستوقفني رجل أمن طالباً مني تفتيش الحقيبة في مدخل لا تتعدى مساحته 30 سنتيمتراً يمر به كل الداخلين إلى المحطة رجال وسيدات بالمناسبة.
بعد 5 دقائق كاملة من انتظار التفتيش، أقف على الرصيف وأنا أنظر للقطار الذي يتحرك أمامي من دون أن أستطيع اللحاق به وأضطر للانتظار ساعة كاملة للقطار التالي فقط بسبب 5 دقائق.
في رحلتي الصباحية إلى للعمل تبدأ عملية تفتيش أخرى قبل دخول المترو وبعد الخروج منه، أضطر إلى تقديم حقيبتي بعد أن أخبر ضابط المترو بأنه تم تفتيش الحقيبة مسبقاً في محطة القطار.
المرة الرابعة التي يتم تفتيش حقيبتي فيها لحظة دخولي العمل، أضحك مع تلك الفتاة وأنا أسخر: "دي المرة الرابعة اللي أتفتش النهارده، عامة أنا بحط القنبلة في جيبي".
لم يعد هناك مكان في مصر لا تدخله دون تفتيش، من حق الأمن بالطبع في ظل الظروف الحالية أن يشدد قبضته الأمنية، ومن حقي أن أقول إني بتُّ أشعر بأني أعيش في ثكنة عسكرية مكبرة، ينقصني فقط الزي العسكري.
"المادة 65 من الدستور تعلن أن حرية الفكر والرأي مكفولة.. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر"، عبارة أقرأها كثيراً مؤخراً! وأبتسم وأنا أتذكر الحكايات التي أسمعها ممن حولي.
تخبرني تلك الصديقة قصة زميلها الذي اضطر إلى مغادرة منزله سريعاً، لاستقبال أحد أصدقائه القادم من خارج مصر حاملاً له طرداً مهماً وسط البلد ليلاً.
فغادر المنزل دون بطاقة وعندما تم إيقافه من قبل ضابط الشرطة في الطريق لم يكن الأمر بسبب البطاقة -أخبرهم بأنه يمكنه العودة للمنزل مع أمين الشرطة لإحضارها- بل كان أيضاً السبب التي شيرت ولونه الأخضر الفاتح الذي يميل إلى الفسفوري الذي يرتديه.
فقد استهجن الضابط الرسم المطبوع على التي شيرت، وشكّ أن له علاقة بالإخوان. يعلنها الصديق واضحة أريد الرحيل من البلد وليحدث ما يحدث.
الحكايات لا تتوقف
نتقابل أنا وصديقتي في ذلك الكافيه، نتحدث ونتمازح حول ثقافاتها التي زادت باقتنائها إحدى الروايات السياسية الشهيرة، في اليوم التالي مباشرة نقرأ في الجرائد خبر إيقاف شاب يحمل نفس الرواية من قبل الأمن بعد أن حامت حوله الشكوك، فقد قرأوا بضع سطور بالصدفة داخل الرواية تتحدث عن السياسة وأنظمة الحكم.
أتصل بها لأطمئن عليها، وأطلب منها عدم الخروج بالرواية حتى لا يحدث لها شيء!
الحكايات لا تتوقف
أخبرنا صديقنا الصحافي عن تلك الواقعة أمام مشرحة زينهم، فأحد الشباب وقف مع مجموعة من أصدقائه لاستلام جثة صديقهم، وخطأ الشاب كان في قرار فتح اللاب توب فقد كان هناك صورة لشعار "لا للمحاكمات العسكرية" على اللاب -لم يكن من الإخوان بالمناسبة- وبسببها تم القبض عليه، وزملاؤه حالياً يبحثون عنه.
الحكايات لا تتوقف
بعد عام كامل من العمل الشاق في مشروع تخرُّجه يخبرني أخي بأن إدارة كلية إعلام استدعته لأول مرة خلال سنوات دراسته ليخبره الأساتذة بإخلاء مسؤوليتهم عن مجلة التخرج نهائياً، والسبب موضوعات قد تخلّ بالأمن القومي وقد تتسبب في استدعائهم للنيابة، بل ودعته إلى تغيير اسم مجلة التخرج وإلا فلن يتم قبولها، أما الموضوعات المرفوضة فتتناول الشرطة المصرية. نجلس سوياً أنا وهو لنتساءل بخيبة أمل: هل هذه هي الحرية التي يتم تعليمها للطلبة؟
تحكي لي تلك الصديقة عن مديرها الذي يمنعهم نهائياً من ذكر كلمة ثورة يناير في العمل، تستكمل بأنها قد تحمّلت الأمر في البداية باعتباره أمراً سائداً في البلد، وهو كره ثورة يناير ممن حولها باعتبارها سبب الخراب اللي حل على البلد، ولكن ما كان غير محتملٍ هو قيام هذا المدير بمراقبة ما يكتبونه على حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي ومعاملتهم وتقييمهم على هذا الأساس.
في النهاية
إلى ماهينور وزملائها، دوماً أدعو الله أن تخرجوا بسلام من معتقلاتكم، وأن أكتب إليكم مهنئة يوماً ما، لكن حتى تأتي لحظة الإفراج عنكم فأنا لم أجد لديّ ما أقوله سوى تلك الحكايات، حكايات أخفي بها شعوري بالحسد تجاهكم، فأنتم تعرفون حدود سجنكم، تلك الغرفة التي لا تتجاوز مساحتها أمتاراً، أنتم تعرفون سبب سجنكم، تعرفون المسؤول عنه، لكنكم لا تعرفون الواقع خارج سجونكم، فالسجن الآن تجاوز فكرة الأسوار، فقد صار السجن في الجدران الواسعة، في الأوراق والكلمات، صار السجن في الهواء!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.