عندما كنت طفلة رضيعة ولم أعلم عن الحياة شيئاً فكنت حتماً كبقية الأطفال رأيت الحياة تدريجياً بواسطة أمي.
أمي.. هذه الكلمة التي عندما ألفظها ينبضُ فؤادي بالحنان والحب والاحتواء، ولا أستثني الأمان، ولكن ما وجدته منها كان عكس كل ذلك، وجدت جفاءً وقهراً وكسرةَ قلبٍ ونفسٍ بحجة الخوف والتربية.
يا ليت قلبي شعر بهذا الخوف لو لمرة واحدة، حتى يهدأ من هذا الانكسار، لماذا على الأبناء أن تشقى وتحارب الحياة حتى تجد هذا الأمان؟ لماذا تكون الحياة غير عادلة؟ لماذا لم نجد مَن يحتوينا وقت ضعفنا ووقت قوتنا، عندما نحلم ونحلِّق في السماء، وعندما تجور علينا الحياة.
يا ليت أمي تعلم أنني كنت أنتظر منها كلمةً طيبة وليس ألفاظاً قبيحة، وعندما كبرت كنتُ أنتظر تقديراً واحتراماً، وليس قلة تقدير وعدم احترام لشخصي، كنت أنتظر أن أعبر عما في قلبي دون خوف، وأن تشاركني أحلامي وطموحاتي، وأن تكون مصدر دعمي في هذه الحياة.
عندما كبرت كنت أنتظر أشياءً كثيرة، ولكن ما رأيت شيئاً، ولكن حتى أكون منصفة رأيت أحياناً خوفاً عليّ عندما كنت أمرض، ولكنه خوف مليء بغضب وسبّ ولعن لشخصي أو لأنني مرضت.
أعترف بأن قلبي لم يصبح سوياً، وعندما أبكي على أشياء تافهة فالحقيقة عكس ذلك، فإنني أبكي على تلك المشاعر السلبية التي يحتويها قلبي ويكبتها لأتظاهر أمام نفسي والآخرين بأنني ما زلت قوية، وعندما أضحك فمن هذا الغُلب الذي جار عليّ.
أخشى من نفسي كثيراً، أخشى من الانتقام الذي سيحطمني قبل أي شيء، أخشى أن يستسلم ويموت كافراً، لا أحد يقدر على العيش بالجحيم ولكن كيف ونحن نأكل ونشرب ونخلد لنوم ونستيقظ، وأحياناً نضحك ونخرج، ولكن الجحيم يتمكن في ذلك، في هذا الشعور الذي يبقى معك وأنت تحيا حياة روتينية دون مشاعر، تقوم ببعض الواجبات دون حب، وتأخذ بعضاً من حقوقك وكأنك أجرمت.
قد يعوق الآباء أبناءهم كما يعوق الأبناء آباءهم، عندما يحطمون أبناءهم ويلعنون بناتهم، عندما يكونون غير قادرين على إعطاء الحنان والحب لأولادهم، عندما يتعاملون معهم كأنهم ملك لهم، عندما يستهزئون من أحلامهم وطموحاتهم، وعندما يقهرون بناتهم؛ ليجعلوهم نسخة طِبق الأصل لهم، عندما يلفظون طيلة الوقت كلمات تكسر النفس، وتجعل الإنسان ينفر من نفسه، ويقوده وسواسه إلى حرقها، عندما يتزوجون ولا أحد منهما يحمل الحبَّ للآخر، وينجبون أطفالاً كي تعيش معهم في هذه المأساة.
عندما كنا أطفالاً كنا لا نعلم شيئاً عن هذه الحياة، لم أكن أعلم كيف لأنني بنت سوف أجلب العار! ولا كنت أعلم لماذا أكون (فاجرة) عندما أتمرد! ولا كنت أعلم أنني عندما أكبر يجب عليّ (الزواج) حتى لا أكون عانساً! ولا كنت أعلم شيئاً، كنت أضحك فحسب، أحلم فحسب، أبكي فحسب.
فلا تتزوجوا لتنجبوا أطفالاً لستم على استعداد أن تعطوهم الحب والأمان والحنان، لا تقهروا طفلاً عاجزاً غير قادر على رؤية الحياة إلا من خلالكم، لا تحطموا قلباً كان يحمل البراءة يوماً وظن أن الحياة ستكون أجمل معكم وبكم، لا تشوِّهوا قلوباً ما زالت تحلم بمن يحتوي ضعفها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.