هدَّدها بالطلاق إن أنجبت بنتاً سادسة، وفي سريرة قلبها كانت تعرف أن في بطنها بنتاً وليس ولداً، وهو كذلك، لكنه كان يضربها ويشتمها ويعايرها بأنها أُم البنات، يقول لها: "أريده ولداً يرثني ويرفع اسمي، وليس بنتاً"، تقول له: "وما ذنبي إن رزقني الله بنات؟!".
حاولت مرات ومرات أن تجهض نفسها بشرب الدواء أو السم، لكن الله لم يحقق مبتغاها. اقترب موعد الولادة والتهديد والوعيد يرافقانها.. "أريده ولداً.. يعني ولداً"!
الخوف كان يتملكها والحيرة كبيرة، أما بناتها فما كان يصيبهن من والدهن من ضرب واحتقار قد زاد من محنتها، بدأ الوجع وألم المخاض يشتدان، هي لم تحس به؛ لأن خوفها من مستقبلها وبناتها كان يجتاحها، ويزيد من قلقها، أخذها إلى المستشفى وهو يتوعَّد: "إذا أنجبتِ بنتاً فأنت طالق".
مرت ساعة على دخولها لغرفة العمليات.. "نعم لقد رزقتَ ببنت"، خرجت الطبيبة لتبشر الزوج، فكان سؤاله: "هل هي بنت أم ولد؟"، لم يستفسر عن حال زوجته! قالت الطبيبة: "هي بنت"، فصرخ بأعلى صوته: "قولي لها أنتِ طالق لا أريدك ولا أريد بناتك".
حالات كثيرة هي مثل هذه المرأة، وربما أسوأ، فرغم تطور العلم والتكنولوجيا، فإن البعض يرى أن المرأة أو البنت عارٌ، يخجل منها، وأن وجودها فقط للطبخ والغسل، وإن لم تلبِّ حاجته فعدم وجودها ونفيها أحسن لها.
صادفتني حالات كثيرة في أسفاري وتنقُّلاتي، فهذه قصة بنت التقيتها في حافلة كانت هاربة من أهلها، فقد زوَّجها والدها برجل يبلغ 60 عاماً، في حين أن عمرها لم يتجاوز 14 سنة، وسبب ذلك خوفه من أن تجلب له ابنته العار، فقد كان يقول لها ولأختها الصغرى إن النساء هم أساس الخزي، وإن البهائم أحسن منكما، ولا بد أن أزوجكما بأول شخص يأتي ليخطبكما.
تحكي لي تلك البنت أن كل هذا أمر عادي، فقد اعتادت كلام أبيها المشين وتصرفاته معها، ومع أمها، وأختها، لكن الأدهى هو معاملة زوجها وأولاده من زوجاته معها، فقد كان يعتبرها مثل الخادمة، فيضربها ويجعلها ترعى الغنم وتحلب الأبقار، وإن طلعت الشمس وهي نائمة كان يوقظها بسكب الماء البارد على وجهها صباحاً، ويركلها برجله ويقول لها: "إذا كان والدك لم يرأف بكِ فكيف تريدينني أن أرأف بك؟!".
إلى أن جاء يوم من الأيام.. ذهبت إلى أمها خفية؛ لتخبرها بمعاناتها، لكن أمها لا تستطيع فعل شيء؛ لأنها تعيش الوضع نفسه من الضرب والشتم. وفي تلك اللحظات، كان الزوج قد رجع للبيت، لكنه لم يجد البنت، فذهب إلى بيت والدها، وبدأ بضربها بالعكاز حتى كسر يدها، وأخذها إلى البيت عنوة دون حراك أو كلمة من والدها، الذي كان يقول له: "زِدها فهي تستحق"! الأمر الذي جعل البنت تهرب من البيت وهي في سن 15 سنة من عمرها.
لا يختلف اثنان على أن العنف ضد المرأة -مهما كان شكله- شيء مشين، فهو يشكّل ظاهرة عالمية، تتفاوت من مجتمع إلى آخر بحكم الأعراف والتقاليد والأنظمة؛ إذ تشير الإحصاءات إلى مدى انتشارها في المجتمعات العربية، وهنا لا نستثني العالم الغربي، فرغم ما وصل إليه العالم من تطور ومساواة بين المرأة والرجل، فإن ذلك لم يؤثر في انخفاض معدلات العنف؛ فهناك من يقتل ابنته أو أخته فقط لأنها التقت شاباً في الجامعة مثلاً، وهناك من يضرب زوجته؛ لأنها لم تطبخ له، والأمثلة كثيرة.
للأسف، تتعرض النساء يومياً في العالم لمظاهر التعنيف بكثرة، حيث لا تزال المرأة تخضع بشكل مستمر للسيطرة الذكورية، سواء من الأب، أو الأخ، أو الزوج، إلى جانب هيمنة الأعراف والتقاليد التي تسهم في إذلال المرأة.
المرأة في نظرهم تظل قاصراً، وليست مؤهلة، أو قادرة على تقرير مصير حياتها، حتى بعد تقلُّدها مناصب عليا في مختلف المجالات واقتحامها مجالات كانت حكراً على الرجل، إلا أنها ما زالت تعاني هذه الأفكار الخاطئة، فهم يعتقدون أن المرأة خُلقت فقط للزواج وإنجاب الأطفال؛ حيث تفنَّن بعض الرجال في إهانتها؛ واتخذوا من العنف وسيلة لتأديبها؛ لأنها تحتاج إلى إعادة التربية والتقويم، حسب رأيهم.
رسالتي لكم أيها الرجال:
رفقاً بالقوارير.. حتى ديننا الحنيف قد كرَّم المرأة وأعطاها المكانة التي تستحق، كما قال رسولنا الكريم، عليه الصلاة والسلام: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، والآيات والأحاديث التي توصي بها كثيرة، والدليل على ذلك نزول سورة كاملة باسم "النساء"، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الإسلام قد أعطى للمرأة مكانة وقيمة عالية، بعد أن كانت تُوأد وتُدفن حيَّة.
رسالتي لكنَّ أيتها النسوة:
أثبِتن أنفسكن، تحدَّين الواقع، ولا تسكتن عن الظلم وعنف أزواجكن المتكرر خوفاً من الطلاق والعادات والتقاليد، فما دام الإسلام قد أعطاكن حقكن ومكانتكن، فمن يستطيع أن يسلبكن هذا الحق؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.