هذا الصباح أتسلل بصعوبة من دفء فراشي، داخل عمارة هدمتها الحروب الماضية، لم تُبقِ فيها سقفاً على حائط، عمارة تغطيها النفايات وأوراق الصحف القديمة التي ما عادوا يصنعونها منذ زمن طويل، وما عاد لها حاجة إلا لتغطي أرضيات العمارات وأسقفها، علّها تمتصّ الأمطار المتسللة عبر الأبواب والأرفف.. صور ومخطوطات وأوراق وحدي هنا أعرفها، أعرف أسماء الصحف، عناوينها، تواريخها، وقصصها، وأسماء كتابها، ورسامي الكاريكاتيرات التي ما عادت تُضحك.
ياه… كم كنا مخدوعين! هناك شيء في أخبار العناوين والأحداث تقودنا دائماً نحو حتفنا.. وما أضعف حيلتنا على المقاومة!
فكلما كانت تشرق شمس، تشرق خجلة، وإن غربت تغرب طويلاً.
وتلك الصور، أعرف وجوهها، وأعمارها، أعرف أصحابها وأتمنى لو كنت أملك جناحين لأحلق في فضاء يجمعني بهم..
ويمضي العمر سريعاً، يسابقنا يعاندنا، يعاتبنا فيسبقنا..
يمضي سريعاً، كسرعة لقائي بأحبتي وإخوتي وأصحابي.
يمضي محلقاً كجناحات الفرحة المختلطة بدموعنا يوم كنا نقفز ونصرخ على إيقاع أغنية للنجاح وأخرى احتفالاً لفرح حبيبين معاً.
يمضي مرور الضوء في الغرفة المعتمة في ومضة ونحن نسرق من العيون نظرة خلسة، لتشعل أيقونات الفرح في قلوبنا.
يمضي كشلال ماء منهمر متدفق كانقضاء جمعاتنا وضحكاتنا ونقاشاتنا وبكائنا ووجعنا.
أخاف أن أكبر، فيتضاعف إحساسي بالحياة، أو تتضاعف هي عندي بآلامها ووجعها وقوتها، فأنهزم أمامها.
أخاف أن تسقط أقنعة البشر من حولي أكثر مما سقطت، فلا أوجع على قلب المرء من حقيقة مرة ظن خلافها.
أخاف أن تتشابه الوجوه تحت مظلات الشتاء في الطرقات المظلمة، فلا أعرف صديقي من عدوي، أخاف أن تتعثر قدماي ولا يرفعني أحد، أخاف أن تلون التعاسة عيني، وتشيخ يداي فلا أقوى على الكتابة، أخاف ألا تخفي ألوان المساحيق شحوب وجهي، أن أجلس أمام المرآة فتشيب روحي، أخاف أن تتغير ملامحي أكثر، فلا أشبه صوري القديمة، ولا هي تريد أن تشبهني، أخاف أن يخونني الأحبة فيرحلوا وأبقى.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.