هل يمكن النظر للرئيس الأميركي ترمب على أنه الصديق الكنز للكيان الصهيوني، الذي جاء بعد طول انتظار ليخلِّصهم من ملفاتٍ مرهقة عجز أسلافه عن الحزم والجزم بها، مثل وضعية القدس وقضية اللاجئين الفلسطينيين، ليحقق لهم أحلامهم بأن تكون القدس عاصمة لدولتهم؟ وإلى أي مدى استطاعت دولة الاحتلال الاستفادة من ترمب في أول أيامه؟ وهل لازالت تطمح بالمزيد قبل أن يحمل حقائبه ويغادر البيت الأبيض؟
لقد قامت الرؤية الصهيونية تجاه فلسطين على أنها (أرضٌ بلا شعبٍ، لشعبٍ بلا أرض)، ومن أجل تحقيق ذلك كان لا بد أن تختفي قضايا تعيق تحقيق ذلك الحلم عن مائدة النقاشات السياسية، مثل قضية اللاجئين، فسعت دولة الاحتلال بكل قوة من أجل تحقيق ذلك، حتى ظهر لها الصديق الكريم "دونالد ترمب".
والمتأمل في الفعل السياسي الأميركي في عهد ترمب تجاه قضايا العالم، خاصة القضية الفلسطينية، سيصل لنتيجة مفادها أن ترمب يمكن اعتباره وفق الرؤية الصهيونية "كنزاً" لا يمكن تعويضه؛ لأنه قدم للكيان الصهيوني خلال عامين تقريباً ما عجز أسلافه عن تقديمه خلال 70 عاماً، فكل رؤساء أميركا وعدوا أيام حملتهم الانتخابية بالاعتراف بالقدس كعاصمة للكيان الصهيوني ثم تهربوا، إلا ترمب، فلم يمر عام على توليه منصب الرئيس حتى اعترف وأمام الملأ بالقدس كعاصمة لدولة الاحتلال ونقل سفارة بلاده للقدس، صدق اليهود ما وعدهم.
ولم يكتفِ ترمب بما فعل، بل يجتهد لخدمة الكيان بالمزيد، ومن أبرز الخدمات التي يسعى ترمب لإسدائها للكيان الصهيوني إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، وبشكل متدرج من خلال البدء بتقليص مساهمة بلاده في ميزانية وكالة الغوث الدولية للاجئين؛ لأن بلاده كما قال في تغريداته على تويتر "دفعت للفلسطينيين مئات الملايين من الدولارات سنوياً ولم تحصل على تقدير أو احترام"، وهذا يعتبر بمثابة إيعاز للدول الأخرى، خاصة العربية، بأن تحذو حذوها على اعتبار أن ما تفعله أميركا هو الحق، ويجب على الآخرين فعله.
إن قضية اللاجئين الفلسطينيين ومنذ أن وقعت فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني خضعت لمحاولات تسوية تهدف لإنهائها باعتبارها أحد أبرز قضية لاجئين عبر التاريخ، وذلك من خلال طرح مبادرات لا تلبي طموحات اللاجئين، وهي كما بات يعرف بـ"حل عادل لقضية اللاجئين".
هذه المحاولات أخذت أشكالاً عديدة، وكانت تارة تنشط وتارة تهدأ، ونشاطها وهدوؤها كان يخضع لظروف الزمان والمكان، حتى الحلول التي طُرحت والتي تنصّ على حل عادل لقضية اللاجئين -دون النص صراحة على قضية العودة باعتبارها الحل الأمثل لإنهاء مأساة اللجوء- بقيت حبيسة الأدراج.
والآن تنشط أفكار أميركية تتعلق بعدم ممانعة أميركا في اعترافها بمن تبقى من جيل النكبة والهجرة واللجوء دون الاعتراف بمن وُلدوا خارج فلسطين بعد اللجوء وتجريدهم من صفة لاجئ، وهذا يعتبر عملاً مسيساً وبلا أخلاق لتحقيق أغراض سياسية بحثة.
إن ما يُطرح الآن من أفكار يهدف من جملة ما يهدف إليه خلق إرباك في الموقف العربي والفلسطيني وتقزيم القضايا الفلسطينية كي يرضى الفلسطينيون بما تمنُّ به عليهم أميركا، ولسان حالها يقول لهم: "عليكم أن ترضوا فلن يكون بالإمكان أفضل مما كان"، وهذا ينقل قضية اللاجئين من محاولات التسوية إلى محاولات التصفية النهائية.
ورغم كل ما قدمه ترمب لدولة الكيان الصهيوني فإنهم يطمحون إلى المزيد منه قبل أن يحمل حقائبه ويغادر البيت الأبيض من خلال تشديد الخناق على إيران وكوريا الشمالية، وتحجيم نفوذ تركيا المتنامي على الساحة الدولية والعربية، وتشجيع الدول العربية على التطبيع مع الاحتلال.
ولو أردنا الحديث عن وضع اللاجئين في غزة -حيث أعيش- وبحكم الحصار المطبق منذ أكثر من 10 سنوات، فإنه يمكننا القول إن غزة على حافة الانفجار، فالفقر والبطالة وصلت لمستويات غير مسبوقة، ولو تم تنفيذ ما يتم التهديد به أميركياً، فإن الانفجار سيطال الجميع، كما أن تسريح وكالة الغوث لكثير من موظفيها وتقليص مساعداتها للعائلات الفقيرة -وما أكثرها- بحجة العجز المالي سيفتح أبواب غزة على مصير مجهول.
يبقى القول إن الالتفاف على وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين وإخراجها من كونها منظمة إنسانية وتحويلها لأداةٍ سياسية هو خرقٌ للقانون الدولي الذي يؤكد ضرورة تحييد المنظمات الإغاثية الإنسانية من الصراع والحروب، وعلى الدول العربية والإسلامية زيادة موازنتها لوكالة الغوث الدولية كي تساعد اللاجئ الفلسطيني على الصمود في وجه المؤامرات التي تحل ضد فلسطين القضية والشعب.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.