لهذه الأسباب لن أدعم محمد صلاح هذه المرة

عدد القراءات
21,046
عربي بوست
تم النشر: 2018/08/28 الساعة 14:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/30 الساعة 08:11 بتوقيت غرينتش

– في أبريل 2016، عندما  كان محمد صلاح لاعباً في روما، شاركت الأندية الإيطالية، بناء على طلب من البرلمان الإيطالي، في حملة لمدة 3 أيام للضغط على الحكومة المصرية للكشف عن حقيقة مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجينى، وحمل كل لاعب لافتة على قميصه مكتوب عليها: "ريجيني نريد الشفافية والحقيقة حول مقتله".

ورغم أن هذه تعتبر قضية إنسانية عادلة، أو بالأحرى مأساة إنسانية، فإنه لم يكن فيها أي إساءة لمصر ولا حتى نظامها، انصاع محمد صلاح لحملة الإعلام المصري وقتها، ورفض المشاركة في الحملة، ونادي روما أنهى الموضوع سريعاً حينها.

– لم تكن هذه المرة الأولى ولا الأخيرة، فقد قرر محمد صلاح أن يريح باله، وكما يقال بالمصري "ميوجعش دماغه" بعد ذلك، ففي كل مرة وفي كل موقف احتاج صلاح أن يأخذ به موقفاً محترماً وواضحاً وينحاز فيه لطرف مظلوم، ومن دون أن يتعرض لأي إيذاء من النظام، فضل أن ينصاع بالكامل، ويغلب مصلحته على أي شيء آخر، وينحاز لسلطة ديكتاتورية، سواء داخل أو خارج مصر، حتى إنه لم يرفض اللعب ضد فريق إسرائيل عندما كان في بازل، وحينها مررت الجماهير هذا الموقف ولم يتحدث عنه الكثيرون، بالرغم من أن هذه الجماهير نفسها كانت تشعل الأجواء وتعادي أي لاعب كان له موقف سلبي من اللعب في مباراة ضد ناد إسرائيلي .

– كنا سنسعد ونشعر بالفخر أكثر لو طلب محمد صلاح التضامن الجماهيري ضد مزاعم استغلاله السياسي، ومزاعم إجباره على التبرع بـ 5 ملايين جنيه لصندوق تحيا مصر، ومزاعم إجباره على التصوير مع السيسي، ومزاعم تهديده بالخدمة العسكرية، ومزاعم تهديده بمنع أهله من السفر، ومزاعم استغلاله في الترويج لجزار الشيشان، ومزاعم إجباره على مقابلة إعلامي متطرف ومحرض مثل عمرو أديب… إلخ.

– أقول مزاعم، لأنها تبقى مزاعم، ولا دليل عليها، وحتى إنه هو نفسه لم يطرحها  ولا وكيله ولا أحد أقربائه حتى الدرجة العشرين، وبالتالي لا يوجد  ما يفيد بأنه فعل كل ما سبق رغماً عنه، ولأن الناس تحبه فقد اجتهدت في اختلاق هذه  التبريرات. 

– صلاح استنجد بالجمهور مرتين، والمرتان كانتا لمشكلات إعلانية بحتة، والثانية تحديداً اتَّضح أنها لأسباب تتعلق بتوفير مناخ يضمن له الرفاهية اللازمة كنجم عالمي، جاء للعب مع لاعبين محليين، وهناك  كلام انتشر أيضاً -لا تأكيد عليه- أن من ضمن هذه الطلبات كان توفير حراسة خاصة له خلال وجوده بمصر.

– في المرة الأولى كانت الناس كلها معك يا صلاح، حتى أعضاء الاتحاد أنفسهم الذين كانوا سبب المشكلة، لكن هذه المرة هناك اختلاف كبير، ورغم أن الموضوع مستمر من يومين، لا وجود لهاشتاغ "ادعم محمد صلاح" الذي اكتسح تويتر في الأزمة الماضية، وطبيعي أنه في كل مرة سيقل التضامن والتعاطف معك، والمرة القادمة ستبدأ الناس حقاً في احتقارك أيضاً، والمرة التي تليها سيتوقفون عن مقارنتك بميسي ورونالدو، وسيضعونك في مستواك الطبيعي؛ لأنك تصر في كل مرة أن تستخدم الناس في صراع تبدأه أنت بإرادتك وتنهيه برغبتك، لا تصارح جمهورك عن طبيعة المشكلة، ولا تخبرهم كيف تم حلها، ولا تفضح الاتحاد الذي يقوم باستغلالك، وتكتفي فقط باستخدامهم وشكرهم وتحفيزهم للمباراة الجديدة، وبعدما تتم مصلحتك تخرج علينا تضحك وتمزح وتقول يا خسارة الهاشتاغ، حينها من الطبيعي جداً أن تشعر الجماهير أنها مجرد أداة!

– صحيح أن جزءاً كبيراً من الذي حدث اليوم لصلاح راجع لأنه من البداية لم يعترض على كل أنواع استغلاله، والمؤسف أنه لم يعترض أيضاً على استغلاله سياسياً، وبدأ يتحرك فقط عندما تم استغلاله إعلانياً ومادياً، كان يمكن لو أنه صرَّح من البداية أنه لا يريد الدخول في أي معارك خاصة بالسياسة، ولا يريد الظهور مع رؤساء في لقاءات خاصة بعيدة عن المنتخب، لصنع ذلك لنفسه كرامة، ولم ينتقده أحد، أو ينتهكه في الأمور الأخرى.

– وبالمناسبة إذا كان محمد صلاح شخصاً ناجحاً وموفقاً ونجم كرة عالمياً، فهو حر تماماً في مواقفه، ولا يستطيع أحد إلزامه بأي موقف أخلاقي لا يريد اتخاذه  لسبب أو لآخر، لكن الناس وهذه الجماهير التي يستقوى بها ولا يتذكرها إلا في أوقات مصالحه مقهورة، وتذوق المر كل يوم بسبب نظام لا يتأخر أبداً في دعمه، فموضوع الاضطهاد هذا أصبح ساذجاً ومقرفاً للغاية، المضطهدون حقاً هم آلاف المعتقلين الذين يموتون كل يوم في سجون حيوانية، والناس المتضررة من السياسات الاقتصادية المجحفة.

المضطهد حقاً هو كل شخص كان بيده أن يقول لنظام ظالم مستبد نعم، لكنه اختار أن يقول لا، ودفع ثمن كلمته هذه من عمره وصحته وسمعته. هؤلاء حقاً من يستحقون  التضامن الحقيقي، والهاشتاغات والقلوب ومنشورات "نحضر الرجالة ولا إيه يا أبو صلاح".

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد تايلور
كاتب صحفي مصري
تحميل المزيد