إن أھمیة محاربة الفكر التكفیري والمتطرف تكمن في خلق التعایش السلمي بین مكونات المجتمع الواحد وتجییر الاختلافات في المجتمع إیجابیاً لصالحه، ولكي نستطیع تحدید أھم المحاور التي من خلالھا نستطیع محاربة الفكر المتطرف یجب أن نعرف ما ھو ذلك الفكر وكیف نشأ.
فالفكر المتطرف ھو ذلك الفكر الذي ینبني على إقصاء الآخرین وتھمیشھم، ربما كان ذلك الفكر ناشئاً أصلاً من حب الأنا والذات وإقصاء الآخرین، ومع تطور الفكر تم تغذیته ومشروعیته ببعض المفاھیم كالطائفیة والعنصریة والإثنیة، مع التأكید على أنه لیس طبیعة إنسانیة، فالإنسان مختلف في فطرته، فكان من الواجب تقبل الآخرین واختلافاتھم.
أما أصله التاریخي فغیر واضح إجمالاً لكن یبدو أنه نشأ مع نشأة الإنسان وبدایة تكوینه، وذلك عندما أصبح الإنسان مغالياً في بعض مفاھیمه كالدین والقومیة والطائفة، فأصبح لا یفرق بین الاعتزاز والمغالاة ظناً منه أنه قد أصاب الحقیقة المطلقة في مفاھیمه، لكنه أخطأ لأن الإنسان وبطبیعة الحال لا یمكنه الوصول إلى الحقیقة المطلقة، علاوةً عن ذلك أنه تعصب لبعض المفاھیم دون أن یكون له أي دور في اختیارھا، كالقومیة والعرق.
ومع تطور ھذا الفكر عند بعض الأفراد لیكون واقعاً مُراً یتعرض له المجتمع كما ھو الحال في الجماعات التكفیریة، كتنظیمي القاعدة وداعش التكفیريين.. إلخ من المسمیات، التي اختلفت في مسمیاتھا وتشابھت في أفكارھا الإقصائیة والعنصریة.
أنوّه ھنا إلى أنه من المعیب أن یُنسب ذلك الفكر إلى المجتمعات وإلى الأدیان، فالإسلام واحد من الأدیان التي ابتُلیت بذلك الفكر، كما ھو الحال بالنسبة لبقیة الأدیان كالمسیحیة والیھودیة، بل إن بعض المجتمعات اللادینیة ابتلیت بذلك الفكر أیضاً، إذ إن أساس ذلك الفكر لیس أساساً دینیاً أو قومیاً كما یصور البعض، بل إن أساسه شذوذ إنساني عن تلك المفاھیم السامیة، ومن خلال تعريفنا نستطیع تحدید ثلاثة محاور رئیسیة لمجابھة ذلك الفكر:
المحور الأول وھو الفرد، فكما أسلفنا سابقاً إن الفكر التكفیري والمتطرف فكر شاذ عن مفاھیم علیا كالدین والقومیة، فوجب على الفرد اتباع الفطرة السلیمة التي نشأ علیھا، وھي فطرة الله التي فطر الناس علیھا، وفھم حقیقة أن الناس مختلفون في فطرتھم، فالذي خلق الناس مختلفین لا لأجل أن تأتي جماعة منھم لإقصاء الآخرین وقتلھم، لكنه خلقھم لغایة أسمى، وهي ما أشار إليه القرآن الكريم (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)، لذلك وجب على الفرد فهم الحقیقة المطلقة كي یكون ساعتھا الفرد المثالي في التكوین، وكي یضع نفسه مقیاساً للآخرین، وأن یكون في موضع الألوھیة فیقصي من یشاء ویبقي من یشاء.
المحور الثاني ھو المجتمع وھو المحور الأھم لأنه المتضرر الأكبر من ذلك الفكر، فوجب على المجتمع أن یحارب الفكر المتطرف مستخدماً وسائله الفعالة، كالإعلام والإرشاد وغیرھما من الوسائل الھامة التي یمكن من خلالھا منع تفشي الفكر المتطرف بین أفراده، كما یجب على المجتمع أن یوقف حاملي الفكر المتطرف من أفراده، وأن یضع لھم حداً لأنه الخاسر الأكبر إذا تفشى الفكر بین أرجائه، كما یبین لنا التاریخ أن أغلب المجتمعات التي ابتلیت بداء التطرف قد آلت إلى التفكك والاضمحلال.
أما المحور الثالث فھو التعلیم الذي یلعب ھو الآخر دوراً مھماً جداً في دحض الفكر المتطرف، خاصة أنه یستھدف الفئة الناشئة، وھنا تبرز قدرة النظام التعلیمي على مجابھة الفكر المتطرف عند الطلبة الناشئة ممن ھم دون الثامنة عشرة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.