الرغبة في التعلم إما أن تولد طبيعية مع الشخص تلازمه هذه الرغبة، وهي شغفه الذي يحركه في حياته، فهو دائماً شغوف بالتعلم، فيتعلم كل ما يقع تحت يدَيه، أو أن تكون هذه الرغبة بسبب ما، فهناك داعٍ لهذا التعلم.
فمثلا الأم التي لا تعلم كيف تتعامل مع صغيرها تظل رغبة التعلم لديها مدفونة طالما علاقتها مع الطفل سليمة، أو تظن هي أنها سليمة، ولكن عندما يتغير شيء ما في تصرفات الطفل، ولا تعلم الأم كيف تعالج ذلك أو تحتويه، فهنا تتولد الرغبة في التعلم.. (أريد أن أعلم كيف أروّض هذا الوحش القابع في منزلي).
وهكذا كلما جدّ جديد في حياتها لا تعرف عنه شيئاً فتتولد الرغبة في التعلم لذلك الشيء.
فالتعلم إذاً هو احتياج نحتاج إليه جميعاً في حياتنا، سواء كان هناك دافع للتعلم أو أن شغفنا أصلاً هو التعلم، وفي كلتا الحالتين يتجه الشخص الذي يريد هذا العلم إلى المجتمع المحيط به للبحث عن كيفية تعلم ذلك.
فهناك وسائل متعددة للتعلم مثل: (الكتب – الفيديوهات كاليوتيوب وغيره – مواقع الإنترنت والكورسات المجانية – الصفحات والمدونات والمقالات – الدورات المدفوعة الأجر… إلخ).
ولكن هل كل منا يعرف ما هي طريقة التعلم المناسبة له؟ هل يختار طريقة التعلم فعلاً التي يحتاجها؟ أم هل ينتقي عشوائياً فقط مما هو متوافر سواء كان ملائماً له أم لا، أم يقيّمها حسب أسعارها؟
ذات يوم بعد أن انتهيت من شرح إحدى محاضرات الكورس جاءتني إحدى المتدربات تطلب منّي أن تحتضني وتقبّلني فاحتضنتها وقبّلتها، فطال مكوثها بين ذراعَي ثم أخذت تجهش بالبكاء.
تركتها حتى هدأت تماماً، ثم خرجت برغبتها من بين ذراعي، وقالت لي: (شكراً على وجودك في الحياة)، ثم تركتني منصرفة، فاستوقفتها أن انتظري، أريد أن أعلم لمَ كل هذه الدموع فنحن ما زلنا في أول محاضرة ولم أشرح شيئاً بعد يستحق كل تلك المشاعر؟ فماذا ستفعلين إذاً عند آخر محاضرة؟!
قالت لي: تلك الدموع والشكر ليس بسبب الشرح فقد أخذت من الكورسات في هذا المجال ما لم يأخذه شخص في حياته حتى تعبت ويئست وتخيلت أن المشكلة تكمن بي أنا!
لا أفهم شيئاً مما يقولون ولا أستطيع تنفيذ ما يشرحون، وقد كنت على وشك الاقتناع أن هذا كله هو كلام كتب محض لا يتحقق، وليس مؤهلاً للتطبيق في حياتنا!
والآن فقط علمت أنه لا توجد بي مشكلة، ولكن المشكلة لديهم، فهم لا يستطيعون الموازنة بين تجريد الكتب ومحسوس الواقع، ولا أدري لماذا يطلقون عليهم لقب مدربين! فليس لديهم أدنى مهارات التدريب، وبدأت تسرد لي بعض الأسماء والنماذج التي أعرف منها أشخاصاً بأعينهم.
تركتها تخرج تلك الشحنة التي تضغط على قلبها إلى أن انتهت، ثم ابتسمت لها وأخبرتها أن المشكلة كانت فعلاً بها وليست بهم.
انفرجت مقلتا عينيها عن آخرهما وهي تقول: كيف هذا؟
ابتسمت لذلك الوجه الكاريكاتوري الذي تكوّن على قسمات وجهها، ثم قلت لها: لم يكن لديك مهارات اختيار ما تحتاجين فلمَ تُلقين الذنب على غيرك؟
أسمع كثيراً من الأمهات والمتدربات: المدرب فلان لا يفهم شيئاً، والمدرب علان جامد متقولب، والمدرب فلان كذا وكذا وكذا يصفون المدربين ويصنفونهم تصنيفاً غير علمي وغير منطقي على الإطلاق.
فالتدريب مجال مفتوح للغاية، وبه من التنوع ما يجعل الفرد يتوه ويدور حول نفسه، ولا يدري كيف يختار إذا لم يكن لديه مهارات الاختيار.
وأولى الخطوات في تلك المهارات أن أعلم جيداً: ماذا أريد أن أتعلم؟
ولنأخذ مثالاً عن تخصصي وهو المنتسوري في حديثنا لنوضح الأمر جيداً، ولتجاوبي عن تلك الأسئلة لتتعلمي كيف تختارين المادة والمدرب في أي مجال من مجالات الحياة:
– هل تعرفين ما هو المنتسوري وقرأت عنه بعض المقالات والموضوعات وتريدين أن تخوضي في الأمر أكثر؟ فأنت في أي مستوى من الأمر؟
لأن المدرب الذي سوف يشرح لك الأمر من البداية ليس كالمدرب الذي يشرح من المستوى الثاني والتفاصيل الأكثر دقة، وليس كالمدرب الذي يشرح الأمر بأنشطته، وليس كالمدرب الذي سيعطيكِ لمحة عن كل شيء وليس كالمدرب الذي سيُلم الأمر برمّته! فاختاري نوع التدريب الذي تحتاجين فاسألي عن دورته ماذا يحدث بها؟!
– هل تريدين المادة العلمية جافة فقط أم تريدين معها بعض خبرات الحياة الواقعية في تطبيق هذه المادة؟
وعلى هذا يتوقف هل ستشتركين مع مدرب محترف له شهادة احترافية في شرح المادة أم مدرب ليس لديه شهادة احترافية، ولكنه يطبق المادة؟ أم مدب لديه الاثنان (الشهادة الاحترافية والتطبيق وهذا أغلى أنواع المدربين) هل تريدين مدرباً قرأ شيئاً أو أخذه ثم صبّه إليك؟ أم مدرباً قضى شطراً من حياته يدرس ويبحث ويطبق ويتطور باستمرار؟
– هل أنت من محبّي المناقشة ومحبي التعامل المباشر ويفرق معك التواجد ضمن مجموعة دعم كلهم لديهم نفس الهدف تقريباً أم أنك تفضلين العزلة والعمل وحيدة ولا تحبين التواصل؟ وهل تحبين أن تجمعي ما يقال بين السطور من خبرات أم تريدين التركيز فقط على محتوى الدورة؟ هل تريدين شحناً لطاقتك من المدرب والتفاعل أم لا فقط تناسبك طريقة التعلم أنت والصوت أو الصورة فقط؟
وعلى هذا يجب أن تحددي هل تفضلين دورات الحضور المباشر التي سوف تعطيكِ التواصل والخبرة والدعم النفسي للمجموعات وشحن الطاقة (إذا كان المدرب لديه هذه المهارة) أم أنه يناسبك أكثر أن تجلسي في حجرتك وتقومي بتشغيل الدورة وسماعها منفردة دون إزعاج من أحد؟
– هل تبحثين فقط عن تطوير نفسك في محتوى الدورة فقط أم تريدين تطوير بعض نواحي حياتك أيضاً؟
وعلى هذا يجب أن تختاري مدرباً لديه سمعة جيدة في كرم العلم، فهو لا يبخل بشيء ولا يعطي محتوى المادة فقط، وأغلب من يحضر معه تتحسن حالتهم النفسية وحياتهم بشكل أو بآخر، فقد وجدوا شيئاً ثميناً في تلك الدورة إلى جانب ما كانوا يريدونه، فهو يفتح لهم الطرق في سبيل حياة أفضل في شتى المجالات في مجال الدورة فقط.
– هل تبحثين عن دورة من نوع رخيص الثمن أياً كان محتواها؟ أم تبحثين عن محتوى معين بطريقة معينة لتغذي وتشبع وتكمل لديكِ فجوة وأنت مستعدة لدفع قيمتها حتى وإن كانت بالنسبة لأشخاص آخرين غالية الثمن؟! لأن تقدير ثمن الدورات يختلف من شخص لآخر، فمثلاً إذا كانت اهتماماتي بعيدة تماماً عن مجال إدارة الأعمال فعندما أسمع أن دورة كذا مع فلان كذا ثمنها 5 آلاف في مجال إدارة الأعمال فهذا بالنسبة لي غالٍ؛ لأنها ليست من ضمن اهتماماتي ولست مقدرة حقيقة لقيمة ما يقدم فيها ولا قيمة من يقدمها! وهي بالنسبة لأخي مثلاً الذي يتخصص في إدارة الأعمال ثروة وكنز، ويخبرني أن ثمنها من المفترض أن يكون 20 ألفاً، وأنها فرصة لا يمكن تعويضها!
عزيزتي قبل أن تحكمي على "س" أو "ص" من المدربين قومي بتحديد أولوياتك أولاً.
ماذا تريدين؟
كيف تريدينه؟
من يستطيع أن يعطيكِ ذلك الذي تريدين؟
التدريب ليس فقط مادة علمية يتم شرحها، وإلا فلن يكون له قيمة، فالمادة العلمية موجودة في الكتب، ولن يأتي المدربون بجديد من منازلهم!
ولكن المدرب يعطيكِ جزءاً من روحه مع التدريب، تأخذين خبراته وطاقته وقدراته، تأخذين قطعةً منه معك إلى منزلك، فكوني على وعي باختياراتك، ولا تحمّلي غيرك مسؤولية سوء اختيارك، واختاري إما المدرب الذي سوف يظلم حياتك أو على الأقل يتركها كما هي، أو مَن سوف يحوّلها إلى طريق من نور.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.