يجب ألا يتبادر إلى ذهنك -أيها القارئ- أن مصطلح الاستثمار القذر هو المعنيّ به التجارة في المخدرات أو الدعارة وغيرها من الأنشطة الممنوعة. إن الاستثمار القذر الذي نعنيه هنا هو نوع جديد مما يمكن أن يُطلق عليه رأسمالية الكوارث التي تُعنى باستغلال أزمات الدول واحتياجات الشعوب لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح أو المكاسب على حساب أمم أنهكتها الصراعات أو وقعت تحت وطأة الديون الضخمة.
إن هذا النوع من الاستثمارات القذرة لا يحتاج إلى تسهيلات الاستثمار التقليدية، وحوافز الأنشطة الاستثمارية، وخفض الضرائب، والإعفاءات الجغرافية.. وغيرها مما يهتم به الاستثمار التقليدي، فهو لا يهتم بقياس العائد والمخاطرة في الأوقات الطبيعية كما هو في الاستثمار التقليدي.
هذا النوع من الاستثمار يبحث عن أزمة اقتصادية أو دولة مُفلسة أو دولة دمرتها الحرب ليبدأ عمله، فهو يهدف إلى استغلال الأزمة أو أوضاع ما بعد الحرب حتى إن أحد مديري الشركات العالمية صرح بقوله إن أفضل وقت نستثمر فيه هو حين لا تزال الدماء على الأرض لم تجف بعد.
أو أن تستثمر في وقت اجتاحت فيه أزمة اقتصادية البلاد أدت بها إلى الإفلاس، ففي هذه الأثناء يخرج الاستثمار التقليدي، ولكن يحل محله استثمار آخر يجد أن هذه هي فرصته لمضاعفة الأرباح، فقد يحصل على عقود امتياز وتخصيص وتوزيع الطاقة أو التنقيب عن الثروات الطبيعية بأسعار زهيدة لا تقارن بما كان سيدفعه في الأوضاع الطبيعية.
هذا النوع من الاستثمار يحقق أرباحاً غير عادية؛ لاعتماده على المخاطرة المرتفعة، ولكنها مخاطرة محسوبة بدقة وإن بدت لك ولمن يفكر بأسلوب الاستثمار التقليدي مخاطرة غير محسوبة.
تعرضت عدة بلاد لقرصنة الاستثمار القذر؛ منها العراق في أعقاب الغزو الأميركي 2003، وكذلك تشيلي في السبعينيات في أعقاب انقلاب أوغستو بينوشيه، وكذلك مصر تعرضت له في السابق إثر دخول الاحتلال الإنكليزي عام 1882 وأعقب ذلك موجة من تدفق الشركات الأوروبية وبيوت المال وبيوت الرهن العقاري التي توسعت في إقراض الفلاحين المصريين الذين تراكمت عليهم الديون، ثم بعد ذلك نُزعت ملكية ربع الأراضي الزراعية بمساعدة المحاكم المختلطة..
وحتى إذا وصلنا إلى عام 1914، كان الاقتصاد المصري يسيطر عليه رأس المال الأجنبي بنسبة 92% من حجم رأس المال في الاقتصاد المصري عام 1914 مع بداية الحرب العالمية الأولى، ثم بدأ تراجع الاستثمار الأجنبي بسبب ظروف الحرب العالمية وحركة تمصير الاقتصاد التي قادها الاقتصادي العظيم طلعت حرب.
ويمكن القول إن الفترتين الحالية والقادمة ستتعرض مصر فيهما لدخول جديد لهذا النوع من الاستثمار ليشتري الامتيازات وعقود التخصيص والأراضي بأسعار لا تقارن مع قيمتها الحقيقية، مستغلاً بذلك حاجة الأمة المصرية الحالية والضعف الذي أصابها والظروف العصيبة التي تشهدها بسبب انهيار الموارد وضخامة حجم الكتلة السكانية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.