أين العلمانيون العرب من قانون القومية اليهودية؟!

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/05 الساعة 07:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/05 الساعة 08:41 بتوقيت غرينتش
Jerusalem, Israel - November 1st, 2016: Jewsih orthodox belivers reading Torah and praying facing Western Wall, also known as Wailing Wall or Kotel in Old City in Jerusalem, Israel. It is small segment of the structure which originally composed the western retaining wall of the Second Jewish Temple atop the hill known as the Temple Mount to Jews and Christians.

لا أريد التطرق كثيراً إلى تفسيرات هذا القانون وآثاره المدمرة على الشعب الفلسطيني وحقه بأرضه ومقدساته، وحقه في العودة، وحقه بالمقاومة، التحليلات والمقالات التي تناولت ذلك باتت بالمئات حتى اللحظة.

لكن، أدعوكم -أعزائي- لشيء آخر، أدعوكم لنتخيل معاً التالي: لنتخيل أن دولة عربية أو إسلامية سنَّت قانوناً دينياً بحتاً مماثلاً، تماماً كقانون القومية اليهودية، بحيث يؤكد هذا القانون هويتها الإسلامية، وأن تكون قد أطلقت عليه تلك الدولة، قانون القومية الإسلامية، أو قانون القومية الأردنية أو التركية مثلاً، ما الذي سيحدث؟

سيحدث أن تعجّ القنوات العربية الخاصة والرسمية ببرامج التوك شو التي ستستضيف العلمانيين العرب المدافعين عن حرية المعتقد، والإلحاد، والمدافعين عن التعددية والديمقراطية.. وما إلى ذلك من مفاهيم، وستتسابق الصحف على نشر مقالاتهم، وترجمة مقالات غير العرب من العلمانيين، وسيصورون لنا أن العرب والإسلام هما أساس التخلف والقمع والهمجية، سيتهمون دين الإسلام بعدائه الشديد للتعددية والحرية والديمقراطية وقمع باقي الأديان والمعتقدات والأقليات! وستظهر مجدداً على السطح تلك النظريات التي تتهم الإسلام بأنه انتشر بالسيف وقطع الرؤوس، وسيُسحب السفراء وتُغلق السفارات، وسيتظاهر المتظاهرون أمام سفارات تلك الدولة هنا وهناك، والله لن أستطيع أن أذكر لكم -أعزائي- الكم الهائل من الكلام الجارح والدنيء الذي سيُكال بمكيال الكراهية حينها بحق الله والرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

لكن ها هي دولة الكيان الصهيوني، تؤكد يهوديتها وأنها كيان ديني قبل كل شيء، من خلال قانون القومية اليهودية، الذي سنَّته قبل أيام قليلة، والعجيب في الأمر أنه ليس فقط العلمانيون الجهلة العرب مَن لَم نسمع لهم صوتاً ألبتة! لا؛ بل أيضاً العلمانيون اليهود الذين أسسوا وأنشأوا علمانيِّينا نحن! والذين باتوا اليوم يدافعون عن الشذوذ والشواذ والإلحاد ويعتبرون ذلك حرية شخصية، ويعتبرون من يعادون اليهود واليهودية من منطلق ديني متخلفين وأشراراً ومن عصر الديناصورات ولا يواكبون المرحلة.

هل عاتب العلمانيون العرب زملاءهم وقادتهم من العلمانيين اليهود على عدم شجبهم ورفضهم هذا القانون الديني العنصري الذي أصدره كيانهم؟ طبعاً، عدم المعاتبة هذا جاء بحكم أن علمانيينا من الرُقيّ بمكان لدرجة أنهم لن يسمحوا لأنفسهم بأن يتدخلوا في الشأن الداخلي لدولة الكيان الصهيوني اليهودية، معاذ الله أن يفعلوا ذلك! لماذا هم بهذا الرقي والغباء؟ لأن علمانيينا العرب ما يميزهم عن باقي علمانيي الأرض أنهم فقط علمانيون، والواضح أنهم علمانيون فقط من أجل العلمانية! لا يمكنهم الفصل بين علمانيتهم هذه، ومصالح الأمة، كما فعل قادتهم وأساتذتهم من علمانيي اليهود للتو.

الحقيقة المُرة -عزيزي القارئ- هي أن الكثير من المثقفين العرب، إلى جانب ما يسمى بالعلمانيين، يعتبرون الإسلام ديناً، لكنهم لا يعلمون أن اليهودية أيضاً دين، تخيَّل! بل أسوأ من هذا بكثير، هم يفاجأون عندما نُذَكِّرهم بذلك، والأشد غرابةً ومرارةً من هذا كله، أننا عندما كنا نعتبر دولة الكيان الصهيوني دولة دينية بحتة، حاولتْ منذ تأسيسها أن تصور للعالم من خلال صهيونيتها أنها كيان غير ديني، كان أمثال هؤلاء العرب يتهموننا بالجهل والتخلف والتحجر الفكري! واليوم ها هي راعية العلمانية تعلن أنها دولة دينية بامتياز وبكل صراحة ووقاحة وعنصرية وإجرام، ضاربةً بكل أتباعها من العلمانيين العرب عرض الحائط، تماماً كما ضربت بالشعب الفلسطيني في الداخل والشتات عرض الحائط حين حصرت كيانها فقط بالشعب اليهودي، وأن حق تقرير مصير هذه الأرض يخص فقط الشعب اليهودي، وهنا لن يكون فلسطينيو أراضي 48 أقليةً؛ بل سيكونون مواطنين غير شرعيين، قد يتم تهجيرهم في لحظة ما نحو سيناء مثلاً، ربما، بما أن "صفقة القرن" تطفو الآن فوق كل الأسطح، وباتت الآن سيناء جاهزة لاستقبالهم، بجهود السيسي وطائرات الأباتشي الصهيونية اليهودية.

لكن، والله إني لأشعر بأنه من واجبي الآن أن أسأل السؤال التالي: أين نوال السعداوي؟! وأين زُليخة أبي ريشة؟! وأمثالهما من العلمانيات العربيات بالذات.. أين هن؟!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
بشار طافش
كاتب أردني
بشار طافش هو كاتب أردني حامل لشهادة البكالوريوس في الاقتصاد، ومؤسس منظمة Warming Observers التي تُعنى بالتوعية بظاهرة الاحتباس الحراري واحترار كوكبنا، وأعمل في مجال الدواء مديراً لأحد مستودعات الأدوية في الأردن.
تحميل المزيد