أنظر إلى المرآة، ثم أسألك لماذا خلقتنا؟ أعلم أنني أتجاوز في سؤالي حدود الأدب، أعتذر منك بهدوء، وأتجاهل الموقف، ولكن يظل السؤال مستمراً كمطرقة حديدية لا تتوقف عن الدقّ على الأبواب المغلقة دوماً، أستمر في أسئلتي، ماذا فعلنا لكى نستحق تشريفك لنا؟ لكي تخلقنا في أحسن تقويم؟ هذا الشكل وهذه الروح العظيمة؟
لماذا خلقت العرب يا الله؟
لم يكن سبب السؤال سوى مشاهدة هذا الفيديو الذي يتحدث عن آخر إنجاز حقيقي للعرب في الرياضيات، والذي كان من 600 عام، فأفكر 6 قرون كاملة -بحسب الفيديو- لم نغير شيئاً مهماً منذ هذا الوقت، بحثت كثيراً لعل وعسى يكون الفيديو كاذباً، ولكنه لم يكن يكذب، فما قدمه العرب من إنجازات لم يكن سوى شهب سرعان ما تنطفئ لا أحد يتذكرها؟
لماذا خلقت العرب يا الله؟
تشاء الظروف أن أقرأ مقالات، أشاهد أفلاماً، أطالع كتباً، أسمع محاضرات في نفس التوقيت، كلها تدور في فلك واحد، وذات رسالة واحدة: نحن العرب نعيش عالة على بقية العالم، فقط نولد ونأكل ونشرب ونعيش دون أن نفعل شيئاً آخر؟ ومع ذلك يتم حسابنا على بني البشر.
لماذا خلقت بني العرب يا الله؟
إنهم يقولون إن لهم عدواً، هو السبب في انهيارهم وتأخرهم، يكتبون الكتب في نقده، في هدم نظرياته، في سبّ إعلامه وأعلامه، في ذمّ أفكاره العلمانية الكافرة، الليبرالية غير العادلة، الشيوعية الملحدة، واشتراكية حمقاء، ثم يأتون ليلاً في أشد ظلمات الليل يقلدون هذا العدو، يشربون ويطعمون من يده، يفخرون بارتداء ثيابهم من عنده، بتعليمهم في جامعاته، بل بعملهم معه.
لماذا خلقت العرب يا رب؟
إنهم يطبقون شريعتك قولاً، ولكن فعلاً لا يوجد، يقول أحدهم أنا عربي ومسلم ويفخر بذلك، وهناك من الدول العربية من تصنف نفسها في دساتيرها بأنها عربية يسكنها مسلمون، ولكن المتأمل يدرك أن بينهم وبين العروبة والإسلام مساحات لا تقاس بالكيلومتر بل سنوات ضوئية.
لماذا خلقت العرب يا الله؟
هلا أخبرتك عن أولئك الذين قابلتهم وكانوا من جنسيات مختلفة، من قبائل وشعوب أخرى، غير مسلمين وغير عرب، ولكنهم يطبقون دينك حرفياً، يطبقونه أفضل من المتفاخرين بأنهم أصحاب حضارة الـ7 آلاف عام، أفضل من بلاد الرافدين أصحاب العلوم والثقافة، إنهم يعملون، يضيفون للبشرية شيئاً جديداً كل يوم في الثقافة، والحضارة، والعلوم، والأدب، بل حتى في الأخلاق، إنهم بعد 100 عام من الآن سيكون لهم أحفاد يفخرون بما تركه أجدادهم، أما نحن، فلن نترك شيئاً لأحفادنا، أو حتى لأبنائنا، بل إننا لن نقدم شيئاً لأنفسنا!
لماذا خلقت العرب يا رب؟
بعد أن أخبرتك عن أصحاب الجنسيات الأخرى، هل أخبرتك عن أشقائي العرب، عن أبناء مدينتي، عن ذلك الإسلام الذي يطبقونه في شعائرهم بينما نفوسهم خاوية، عن تلك المرأة التي تصلي الفرض بفرضه بينما تحثنا على النفاق للحصول على حقوقنا، عن تلك الحفنة من الرجال الذين ادعوا أنهم يحاربون الفساد بأقلامهم بينما هم يحترفون نشر الجهل بأحبارهم، أعلم أنك رأيتهم فهم كل عام يحجون إلى بيتك الحرام! عن ذلك البلد الذي كانوا ينادونه بأم الدنيا، فصار شيئاً آخر لا يمتّ للدنيا بصلة!
إذا جلست لأحكي لك، فلن تكفي الأحبار ولن تكفي الأوراق ولن أجد أقلاماً لأدوِّن لك ما أراه، أو ما أعلمه، ولكن قبل أن تنفد أحباري أو أوراقي لن أنسى أن أسألك مرة أخرى: لماذا خلقت العرب يا الله؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.