في مصر وقبل موسمين تقريباً ظهر على الساحة الكروية لاعب شاب يدعى "ميدو جابر"، قام بخطف الأضواء من كافة اللاعبين الشبان. الكل صار يتحدَّث عن لاعب نادي مصر المقاصة الصاعد بقوة الصاروخ. "جنرال" الإعلام المصري، مدحت شلبي، يصفه بأنه "خامة" مختلفة عن باقي اللاعبين، والإعلامي اللامع جداً أحمد شوبير يؤكد على احتمالية احترافه في أوروبا، وأنه قادر على اللعب في أكبر الدوريات العالمية.
وكعادة الكرة في مصر، وما إن فتحت سوق الانتقالات، حتى بدأ الصراع بين الأهلي والزمالك على ضمِّ الموهبة الخارقة، وفي نهاية المطاف حَسمت رغبة اللاعب الأمرَ، وذهب إلى الجزيرة لارتداء القميص الأحمر، بدلاً من التوجه إلى ميت عقبة.
حتى تلك اللحظة لم أكن قد شاهدت "ميدو" في أرضية الميدان، لكنني سمعت عنه ما لم أسمعه عن أبوتريكة، أو حتى ميدو "الحقيقيّ"، وقرَّرت مشاهدة الموهبة التي ستنفجر عمّا قريب وهي تنشر السحر على أرضية الميدان. أرضية الميدان التي كانت تشبه إلى حد كبير حقول البطاطس في محافظة القليوبية.
كانت خطة فريق مصر المقاصة معتمدة على ميدو بشكل كبير، الهجمات تبدأ دائماً من أقدامه، على الرواق الأيسر، وزملاؤه يثقون به بشكل كبير.
لكن ما إن بدأ ميدو بمداعبة الكرة حتى اتَّضح لي أنني أمام عملية "نصب واحتيال" رديئة للغاية. ميدو لا يلعب كرة القدم، وإنما يتظاهر بممارستها، يحاول المراوغة بطريقة بدائية ومكشوفة للغاية فتقطع منه الكرة بسهولة، فيبدأ في النظر إلى السماء وندب حظه العاثر. يحاول التسديد عن بعد، تطير الكرة في المدرجات، بالقرب من ساعة المدرج الشمالي، فينظر إلى حذائه الذي خانه، ويبدأ في لومه وعتابه بشكل دراميّ مثير للشفقة. يحاول تعويض إخفاقاته السابقة، فيرسل كرة بينية إلى زميلٍ غير موجود في منطقة جزاء الخصم، تصل الكرة إلى أحضان حارس المرمى، فينظر إلى أقرب زميل له ويبدأ في توجيه سهام النقد و"الزعيق" له، فيما تبدو علامات الحيرة والارتياب على زميله، الذي لم يفهم ما يحدث بعد، في مشهد عدميّ مضحك.
وهكذا لمدة 90 دقيقة، عمليات تمثيل رديئة للغاية، ليست فقط من ميدو، بل من قِبَل جميع الموجودين على أرضية "الحقل". اللاعبون يتظاهرون بأنهم يلعبون كرة القدم بالفعل. المدربون يقفون على خط التماس، ملوحين بأيديهم بحركات، المفترض أنها تكتيكية، وصوتهم يهزّ أرجاء المدرجات الخاوية. حتى الحكام يركضون ببطء شديد، ويخرجون الكروت الصفراء والحمراء، وكأنهم طلاب في معهد التمثيل المسرحي.
بالطبع لا أفرد هذه المساحة لانتقاد ميدو جابر، الذي أصبح حبيس دكة البدلاء بعد أن كشفت حقيقة مستواه التمثيليّ، بعد أن لعب إلى جوار لاعبين ممثلين على مستوى عالٍ، أمثال الـ "دون" عبد الله السعيد، والـ "مسمار" حسام عاشور.
هذا هو حال الكرة المصرية منذ مذبحة بورسعيد وحتى اللحظة، وفي وصف دقيق وتشخيص مميز لهذه الحالة يقول الكاتب "إسلام رشاد" في مقالته "عودة الدوري المصري.. هل تحمل المتعة من جديد؟": "حقيقةً نحن نمتلك بطولة عظيمة حماسية مثيرة، صحيح أننا نلعب من دون جمهور، وصحيح أن فريقاً واحداً فاز بـ9 بطولات من آخر 10 بطولات دوري، وصحيح أننا نغيّر القوانين في منتصف الموسم، وصحيح أننا نفتح باب القيد لنسجل اللاعبين فى الخامسة فجراً، وصحيح أنه دوري ينظمه عامر حسين، ويرأس لجنة أنديته شخصية مثل مرتضى منصور، لكنه يبقى دورياً تنافسياً ممتعاً جديراً بالمتابعة، الشيء الوحيد الذي ينقصه هو أن نمارس كرة القدم فعلاً.
بالطبع نحن لا نمارس نفس كرة القدم التي يمارسها باقي العالم، نحن فقط نتظاهر بأننا نفعل ذلك، اتحاد الكرة يتظاهر بأنه ينظم البطولة ويديرها، والأندية تتظاهر بأنها تشارك فيها، واللاعبون يتظاهرون بأنهم يلعبون، والإعلام يتظاهر بأن هناك أحداثاً مهمة، والمحللون يتظاهرون بأن هناك شيئاً يصلح للتحليل، ونحن نتظاهر بأننا نصدق هذا كله.
الحقيقة المؤكدة أن أغلب لاعبينا لا يمارسون كرة القدم أصلاً، هم فقط يتظاهرون بذلك، فمثلاً صبري رحيل لا يلعب فعلاً، هو فقط يتظاهر بأنه يدافع أو يهاجم، الحضري يتظاهر بأنه قادر على المشاركة في هذه السن، أحمد حمص وإبراهيم صلاح مثلاً يتظاهران بأنهما لاعبي وسط، إسلام محارب يتظاهر بأنه يجري، النني يتظاهر بأنه يضغط، ومؤمن زكريا يتظاهر بأنه لاعب كرة قدم عاقل، وهكذا الجميع".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.