المستظلّون بظلّ الحذاء العسكري، النائمون حمداً لمِنحة القائد بالحياة، والصاحون تسبيحاً بمجده وعطاياه، الخائفون من المستقبل، ليس لأنّه قبيح، بل لأنّهم جبناء.
الذين يرقصونَ على أنغام مدافعه، ويطربون على خطابات قياداته، الذين يعشقون نظريات السيادة في النهار، وفي الليل يبلعونَ خيباتهم مع قصف قوات الاحتلال لقطعهم العسكرية دونما ردٍّ سياديٍّ لقيادتهم المفدَّاة، سوى بحرقِ مدن وقرى مواطنيهم.
الذين يجددون العهود ثقةً بقائد الوطن، والذين يُرسِلون شبابهم ثم يستقبلونهم توابيت تنبعثُ منها روائح عفِنة.
الذين قتَلوا واستباحوا واغتصبوا وشبّحوا وعفّشوا واعتقَلوا وعذّبوا باسم القائد والوطن، والذين احتكروا الوطن شخصاً بسيادة الرئيس، ومنعوه عمّن هم سواه، ومنحوا بقايا ذلك الوطن لِمَن يقتل وينهبُ معهم لأجل قائدهم المعظّم.
الذين وقفوا أمام الأضرحة والمقامات شكراً لحضرة ولاية الفقيه، والذين رفعوا صوره ولافتاته فوق رفات المآذن المدمّرة، الذين وقفوا على طول الطرقات استقبالاً شكراً لوزير خارجية دولةٍ محتلة.
الذين خَوّنوا مَن لم يستظلّ معهم بظلِّ الحذاء العسكري من شعبهم، وأغرقوهم بالقصف والكيماوي والفوسفوري وكلّ ما يمكنُ لقاتلٍ أن يتفنَّن به من طرائق القتل.
الذين مثّلوا بالجثث ووقفوا فوقها والتقطوا السيلفيات ضحكاً وفخراً، والذين فتَحوا رؤوس أطفالنا ببلطاتِهم، والذين تركوا جثَّة العفيفة في الطريق تستثيرُ الرجال ليقنصوهم، والذين لاحقوا الأحرار في الأرض طولاً وعرضاً ليغتالوا أرواحهم.
الذين رأوا قتل وتهجير نصف شعبهم حكمةً للقيادة وتطهيراً لصفوف الشعب الخائن، والذين برّروا وبرّروا وبرّروا للقتلة ولم يخجلوا من دمٍ مراقٍ عرضَ الأرض وبلاد مستباحةٍ لكلِّ فاسدٍ وقاتلٍ من كل البقاعِ التي تفوحُ حقداً وكرهاً لشعوبنا، حتّى لهم هم أنفسهم!
هؤلاء هم المتدارون خوفاً من الحريّة؛ لأنهم اعتادوا السجود على عتبات أبواب مكاتب الدولة التي تفوح منها روائح السجائر والرشاوي، اعتادوا أن يحنوا رؤوسهم عند عبور أبوابها، فما لرؤوسهم مِن رَفعة، وإن أتَتهم الحريّة "المضرجّة بدماءِ غيرهم" لأبواب بيوتهم في عاصمتهم الساحرة وساحلهم المشمس وجبلهم الأشَم، ولَو أتَتهم لرفضوها لأنّهم ليسوا أهلاً لها، فلَم يكونوا يوماً طلاباً لها، بل لطالما كانوا عائقاً في سبيل انعتاق شعبهم، وكابوساً في ليل الحالمين بغدِ الحريّة والعدالة الاجتماعية.
هؤلاءِ هم شعبُ الأسد، يقفون أمام تمثاله، بكل تياراتهم، بمؤسساتهم الدينية والثقافية والرياضية والمدنية وحتى الخيرية، يعظّمونه ويمضونَ يومهم ليعيشوا في ظلِّ عطائه ومجده.
لن ننسى وقفتكم هذه حينَ يخطُّ القلمُ التاريخ، سنخبرُ أولادنا بكلِّ إثمٍ ماديٍّ أو أخلاقيٍّ ارتكبتموه في كلِّ ركنٍ هناك في الوطن، سنعلّمهم أنّكم استخفَيتُم من نورِ الحق الأبلج، وأنّكم اتخذتُم مقاعد في الصفوف الأولى؛ لتكون شهوداً على ما يُرتَكب أمامكم في مسرحِ الجريمة، أنَّكم خفتُم الحريّة فبقيتُم أشواكَ في دربنا الطويل نحوها، علّنا نُدرِكُها!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.