بدأت القراءة المسموعة منذ ما يقرب من 8 أشهر، ولشدَّ ما أريد أن أعرض لكل الناس هذه الفائدة الجميلة التي تسديها لنفسك دون أدنى تعب، فهذه النقاط التي سأعرض نتاج تجربة شخصية في عالم القراءة المسموعة.
1- استثمار الوقت
"مَن يستثمر وقت المواصلات في القاهرة يصبح عالماً".. بالنسبة لي، ليس بغريب أن أبدأ القراءة المسموعة بعد شهور قليلة من استقراري في القاهرة، وما أدراك ما زحام القاهرة والساعات المُهدرة فيه يومياً! أول ما قرأت، كان رواية "مزرعة الحيوانات" للكاتب المشهور جورج أوريل، القصة كاملة يستغرق سماعها 220 دقيقة، أي أكثر من 3 ساعات ونصف الساعة، استكثرت هذا الوقت، لكن قلت لا بأس؛ فالطريق أمامي طويل. وبالفعل، استغرق مشواري، ذهاباً وإياباً، 3 ساعات و20 دقيقة، كنت فيها أطرب وأنا أستمع لحيوانات المزرعة والثورة والاستبداد، لأول مرة يكون هذا الطريق الممل، الممطوط بحجم الكون ذاته، ممتعاً إلى هذا الحد. عندما رجعت كتبت شُكراً للتطبيق الذي كنت أستمع إليه؛ لأنهم بالفعل جعلوني أستثمر وقتي.
2- للمبتدئين في القراءة
الأمر المميز بالفعل في القراءة المسموعة أنها لا تتطلب منك أي جهد غير الإنصات جيداً، القراءة الورقية رغم رونقها الخاص فإنها قد تكون للكثيرين مِمَن يبتهلون طريق القراءة مملة ومجهدة، فالقراءة المسموعة خير بداية لهم، وقد تكون قصص أحمد يونس المرعبة خير دليل على جذب غير القارئين للقصص والمعلومات الشائقة.
3- الصور الذهنية الغنية
من وجهة نظري، أرى أن أفضل طريقة لقياس مدى روعة الرواية؛ هي استرجاع الصور الذهنية التي نسجتها من خيالك وقت قراءتها، والإحساس والتفكير والتحليل لها، خاصة مع جيل مبتدئي القراءة من 2013 إلى 2014 والذي أعدُّ نفسي منهم، وهو الجيل الذي بدأ القراءة مع كتب قد تكون ضعيفة وركيكة في أغلب الأحيان. ومع تطور قراءة هذا الجيل، يكون فيصل نظرته للرواية بعد نضوج قراءته هو الصور الذهنية.
في حالة القراءة المسموعة، فهي مجموعة من الصور الذهنية فائقة الجمال في الذاكرة، خاصة عندما تكون في الشارع أو بمكان عام. الصورة الذهنية غنية للغاية، تتألف من خيال القصة والصوت الذي يقرأ لك والموسيقى الخلفية وصور الواقع المحيط بك من أشخاص وأماكن، والزمان أيضاً، فأستطيع تذكُّر كتاب بلال فضل الذي كنت أقرأه وقت ذهابي لمعرض الكتاب وصور المماليك وهم يجرون في السراديب، ولفافة التبغ التي تحكي قصتها في قسم الشرطة، وصورة سائق الميكروباص ونفق المشاة وطابور المعرض ودور النشر والأصدقاء داخله، مثل هذه المتع خُلقت لتخلد ولا تندثر أبداً.
4- أثر الفراشة
هي نظرية علمية قد يكون بعضكم سمع عنها، لكن ما يهمنا هنا هو المعنى المجازي لها، وهو أن الأمور الصغيرة التي لا نبالي بها قد تؤثر في أمور عظيمة وأساسية في حياتنا، هناك الكثير من المقالات والأخبار اليومية العابرة قد تحمل على المدى البعيد أثراً كبيراً على شخصيتك، إنها الأشياء التي تترسب فيك، الثقافة التي تبقى معك بعد انتهاء القراءة، مع استثمار الوقت في القراءة المسموعة تعرف أنها رسخت فيك الكثير والكثير من الأفكار والمعلومات التي لم تكن تعرفها إلا من خلال ما تقدمه.
5- كثرة التحصيل
بعد هذه التجربة، لم يعد تصنيف قراءتي على أنه ورقي فقط في وقت الفراغ؛ بل الآن تشعبت فأصبح عندي قراءة وقت الفراغ والانتظار والمواصلات وغيرها، فأصبح تحصيلي من المعلومات متشعب المصادر ومفيداً وموجوداً وملائماً لمواقف عدة وأوقات مهدرة طويلة وقصيرة، فكل شيء متاح من الأخبار والمقالات والفصول والكتب الكاملة، غير أنها مكتبة بها آلاف الكتب والمقالات مفتوحة لك طوال الوقت، إنه كنز مجاني.
6- إعادة القراءة
"القراءة للمرة الأولى تعطيك المتعة، والقراءة للمرة الثانية تعطيك القيمة".
في رأيي، إن الأهم من كثرة التحصيل هو التحصيل الجيد، بتعبير آخر عامي "افهم ما تحفظش". إن تكرار أي شيء في الدنيا يثبِّت المعلومة في الرأس ويجعلك تفهمها أكثر، القراءة الأولى للمتعة والاندهاش من الحبكة وخط سير الأحداث، إنما القراءة الثانية تكتسب فيها القيمة أكثر، ترى فلسفة الكاتب بطريقة أوضح.
لكن، هنا لا نتحدث عن درس في مادة ما أو مقطع مصور لم تفهمه، هنا نتكلم عن كتاب يستغرق ساعات في القراءة على مدى أيام، قد يكون من العسير للبعض أن يعيدوا قراءة كتاب مرة أخرى، لكن القراءة المسموعة تعطيك ذلك الحافز في قراءة الكتاب الذي أعجبت به في صورة أخرى بالتفاصيل نفسها، فيها من المتعة بمقارنة الصور الذهنية والاستمتاع والقيمة والتجربة عامة.
7- المساعدة على العودة للقراءة
تلك الفترة الثقيلة على كل من تعوّد القراءة سنين يجد نفسه في فترة معينة مثقلاً مُرهقاً من أي قراءة، الساعات التي كان ينتظرها بفارغ الصبر ليقرأ بدأت تكون بطيئة مملة غير ممتعة ولا مفيدة كسابق عهدها، وإن القراءة المسموعة -فعلاً- توفر هذه الظروف في العودة من الراحة وعدم لزوم أقل مجهودات القراءة الورقية؛ بل ولادة جو جديد؛ كتخفيف الإضاءة والموسيقى التصويرية وصوت القارئ ومخارج ألفاظه ونبرته في الكلام.
في النهاية
لا أعرف لِمَ أحسست بأني أتكلم كفتاة إعلانات سخيفة عن منتج رائع لتخسيس منطقة الأرداف والخصر! لكن بصدق، إني أُحب القراءة المسموعة وجلّ ما أفادتني وأضافت لي، فلذلك أتكلم عنها بحماسة حقيقية؛ لكي ينهل كل فرد من هذا النهر العذب. والأهم هو زيادة الاهتمام به كي يستمر ويزدهر ويقدم لنا الأفضل دوماً.
بعض تطبيقات القراءة المسموعة
– اسمعلي
– اقرأ لي
– مسموع
– الكتاب المسموع
– مدينة الكتب
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.