هل أنت محبوب؟
هل مَن حولك يحبونك بكل طاقتهم وقدرتهم على الحب فعلاً؟
أصدقاؤك.. أقرباؤك.. شريك/ة حياتك.. وحتى والداك.. هل تعتقد أنهم يحبونك بالقدر الكافي الذي تستحق؟
إذا كانت إجابتك بـ"لا"، فأنا أشعر بك كلياً، أكتب هذه المقالة من أجلي أنا وأنت، أما إذا أجبت عن أسئلتي بـ"نعم"، فأرجو أن تكمل القراءة؛ لأن أغلب الظن أن إجابتك ستتغير حين تصل لنهاية مقالتي.
مشهد (1)
زوج يحب زوجته حدَّ الثمالة، لا يستطيع أن يعيش من دونها، يعشقها بالقدر الذي تظن معه أنها أسعد إنسانة خُلِقَت على وجه البسيطة، حيث لا تعيش امرأةٌ قصةَ حُبٍّ ملتهبة مثل قصتها التي كُلِّلَت نهايةً بالزواج، لكنها دائماً ما تشعر بأن ثمة شيئاً ناقصاً، ثمة شيء لا يجعل هذا العشق كاملاً مُكمِّلاً، ثمة شيء يستنزفها لا تعرف كُنهه، ولا تستطيع الوقوف عليه، يجعلها دائماً شاعرة بغُصّة تعتمل في حلقها مع كل جرعة سعادة يمنحها إياها زوجها.
فكرتْ مراراً وتَكراراً، حاولتْ أن تستشفَّ سببَ التعاسة التي تعتريها بين الحين والآخر، لكن من دون أن تصل لنتيجة حقيقية، تُمد نفسها بإجابات واهية غير شافية للوصول للواقع، تخبر نفسَها بأنها سعيدة بالفعل، لكن تعلم من داخلها أنها ليست كذلك، لكن تكتفي بالتغافل عن الأمر، وعدم الالتفات إليه، حتى تقف يوماً أمام المرآة، فلا تعرف نفسها، تشعر بأنها شخص غريب، ليست هي، شخص يشبهها في القوام والملامح، لكنه بعيد كل البعد عنها، شخص لم تعد تحبه كما كانت تحب نفسها سابقاً، فتصل إلى كل الإجابات التي استعصت على الوصول لها سابقاً، ينير جزء صغير في دماغها بكل الأجوبة المُنتظرَة، وترى أنها قد تغيَّرت، بسبب زوجها المُحب!
نعم، زوجها يحبها جداً، لكنه يغيرها لشخص آخر لا تعرفه بتحكُّمات في سلوكها وملابسها وطريقة حياتها التي أحبها عليها، يُنمِّطُها في قوالب تتناسب مع رؤيته في الحياة، في الصواب والخطأ، فيما يجب وفيما لا يجب، ويستغل في هذا حبَّهما لبعضهما البعض، يبتزها عاطفياً من أجل أن تصبح امرأة أخرى غير التي يهواها، يحدد علاقتها بالناس، ويجعلها أكثر انطوائية وصمتاً، بعد أن كانت تشعُّ بهجةً ورغبةً في الإنجاز والنجاح، ليمتلكها وحده، غير مدرك، أو ربما غير عابئ بالتعاسة التي تكسو ملامحها، فتغيرها يوماً تلو الآخر، لتصبح امرأة أخرى غير التي أحبَّ!
حين صارحتْه بالأمر، وطلبتْ منه أن يكفَّ عن تغييرها، وأن يحبها كما هي، وأنه كان يجب عليه أن يختار امرأة بالمواصفات التي تناسب رؤيته من البداية، بدلاً من أن يدلف لحياتها فيجعلها شخصاً آخر لا تطيقه، أخبرها بأنه لا يستطيع أن يستمر في هذه العلاقة؛ لأنها في الأساس في نظره خطأ، مع أنها لا تتعدى حدود البشاشة والود والصداقة الطيبة مع الناس كافة، لكنه لا يقدر على التحمل فحسب، لا يمكنه أن يحبها ويقبلها تماماً كما هي!
مشهد (2)
اعتادت طوال حياتها أن تكون رقم (1) في كل شيء، طفلة ناجحة بين أقرانها في المدرسة، طالبة متفوقة في الجامعة، ومجتهدة جداً في دراساتها العليا، بشوشة جداً، تقتحم قلوبَ البشر بلا استئذان، يحلف الجميع بابتسامتها الصافية وضحكتها الرنانة وبشاشتها، لكنها وفق نظرة إنها "يا حرام" سمينة!
تراها أمها دائماً مادةً خاماً للفشل في الحياة، فهي ليست جميلة -في أنظار والدتها- بالقدر الكافي الذي يجعل "العرسان" يطرقون بابها طرقاً، أغلب اختيارات حياتها -في نظر والدتها أيضاً- هي اختيارات ستؤدي لا محالة إلى المهالك، تخبرها ليل نهار بأنها يجب أن تتغير، أن تقوم بنظام غذائي قاسٍ يُفقدها الأرداف الزائدة، وأن تكفَّ عن السعي وراء أي هواية جديدة تقوم بها لأنها بالضرورة إضاعة للوقت والجهد في اللاشيء، عليها أن تظلَّ دائماً متفوقة فيما تراه والدتها مناسباً فقط للتفوق، وعليها أن تتحول إلى مارلين مونرو لتكفَّ عن نعتها بسيد قشطة، الذي لا يكف عن تناول الطعام.
لطالما شعرت بأنها غير محبوبة من أقرب الناس إليها، رغم أنها محاطة بالحب، ورغم أنها لا تنكر فضل والدتها عليها، لطالما شعرت بأن الجميع سيحبونها بشكل أكبر إذا كانت أكثر نجاحاً، وأقل وزناً، لربما حينها سيرونها كما ترى نفسها!
مشهد (3)
يلقبونه بصديق الجميع، يقف للكل في مآسيهم وأحزانهم قبل أفراحهم، يساعد كلَّ مَن يطلب يدَ العون دون انتظار أي مقابل، هو الأخلص والأقرب إذا ما لفظت باسمه فحسب، محاط بالحب من كل جانب، ولا يذكره أحدهم إلا ورافقت سيرته العطرة كل الخير.
بعد فترة، أصابه اكتئاب حاد، رافقه زيادة في مسؤولياته وأعبائه، أصبح إنساناً أقل اختلاطاً بالناس، رغم محاولاته المستميتة للاستمرار التواصل وتقديم المساعدة، لكنه لم يعد قادراً على تحمل خذلان الكثيرين، ممن يقدم لهم كل شيء عنده، ولا يجد منهم مقابلاً، فابتعد شيئاً فشيئاً عن الصخب!
قُوبِل ابتعاده بازدراء كبير من عدد ليس بقليل ممن كان يسميهم بأصدقائه، أصبح صديقُ الجميع وحيداً جداً، أصبح الكثير يتهامسون عليه، فقد كانوا يحبونه فقط لأنه متاح لهم دائماً، لكن حينما احتاج لأن يكون وحيداً، أصبح لا يستوفي شروط الجميع!
لا تكفي مقالتي لذكر كل المواقف التي عايشتها في حياتي وسمعتها من ألسنة أصحابها، للتدليل على أن ثقافة الحب في مجتمعاتنا لا تعترف بمعنى الحب غير المشروط، وهو ما لا يعني أن من يعطوننا الحب من حولنا هم غير صادقين في مشاعرهم، إطلاقاً، من الممكن جداً أن يحبونا من كل قلوبهم، لكن وفق نظراتهم وقوالبهم وآرائهم فينا، وليس وفق ما نحن عليه!
الحب غير المشروط هو الحب الذي يقبلك كما أنت، ينظر إلينا أصحابه باعتبارنا صندوقاً مغلقاً من الشيكولاتة، لم يعرف قط مذاق واحدة منه قبل أن يضعها في فمه، ولن يحزن إذا ما لم تعجبه مكوناتها الداخلية، ففي النهاية جميعنا لنا مذاقنا الخاص الذي يميزنا، حتى وإن كان يحتوي على بعض الحامض أو به بعض المرارة، في النهاية هو مغلف بطبقة من الشيكولاتة التي تمنح مرارة أيامنا الحلاوة المطلوبة كي نستكملها، لكن كل بمكونات مختلفة، منا من يحتوي على الويفر أو البندق أو الكراميل أو حتى الذبيب، وعلى من يحبوننا أن يقبلونا بمختلف هذه المكونات، طالما لم تؤذهم!
أنْ يحبك من حولك وأنت زائد الوزن، مكتئب، غير قادر على التواصل، مشغول، زادت مسؤولياتك وأعباؤك، قررت قراراً مصيرياً يتعلق بتركك للطب والعمل كخدمة عملاء في شركة محمول بمومباي حتى تكتشف شغفك الحقيقي، بعلاقاتك المتشعبة، وبشاشتك الدائمة مع الجميع، هذا هو الحب غير المشروط، الحب الذي لا يعول على علاقة سببية، ليس لأنه من المفترض أن يحبوك لأنك أخ أو أب أو صديقة أو زوجة، الحب الذي يملأ فؤاد محبيك فقط لأنك أنت، وليس لأنك كما يريدون!
والآن، بعد أن قرأت مقالي، انظر حولك من جديد، وأجب عن سؤالي:
هل تظن حقاً أنك محبوب؟!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.