آباء المناسبات هم رجال اتخذوا بكامل إرادتهم ووعيهم قرار الزواج من امرأة ما، وذهبوا لأهلها وقاموا بدفع شبكة ومهر وتجهيز شقة وفرح وما إلى ذلك، ثم أيضاً بكامل وعيهم وإرادتهم الحرة اختاروا ممارسة الجنس مع زوجاتهم، وهم على علم ودارية أن هذه العملية الجنسية قد ينتج عنها حمل وأطفال سيكونون مسؤولين عنهم مادياً ونفسياً وتربوياً واجتماعياً.
ثم لسبب ما اختفوا من حياة أطفالهم بعد ذلك؟
في معظم الأحيان يكون السبب الطلاق أو الزواج الثاني أو السفر، أياً كانت الأسباب ومن المخطئ ومَن المصيب، فالنتيجة واحدة بالنسبة للطفل أنهم اختفوا بإرادتهم أيضاً: لم يموتوا، لم يسجنوا، لم ينفوا، هم أحياء يرزقون في أغلب الأحيان يعيشون حياة كريمة مع زوجات أُخر وأطفال آخرين.
قليل من آباء المناسبات مَن يرسل مبلغاً شهرياً كافياً لأولاده، المعظم يعطي مبلغاً هو يعلم أنه كان سينفق أضعاف أضعافه لو ابنه يعيش معه، وهناك مَن لا يدفع أي شيء بالطبع.
ولكن المشكلة ليست مادية فحسب، فآباء المناسبات كما سمّيتهم لا يظهرون إلا في المناسبات -إذا ظهروا- بمعنى في عيد ميلاد الطفل إذا تذكروه يحضرون هدية، وفي أول رمضان وفي الأعياد ربما يأتون؛ ليقولوا لابنهم كل سنة وأنت طيب، وكأنهم يصلون رحماً مع ابنة عم أخت والدتهم مثلاً.
عندما يكبر الأبناء قد يأتي آباء المناسبات إلى حفلات تخرجهم، ومعظمهم يحضر حفلات الخطوبة والزفاف؛ لأنه عيب نظهر أمام الأصهار كعيلة مفككة، فلنحافظ على الشكل الاجتماعي حتى تمام الزيجة.
أيضاً إذا مرض الابن مرضاً شديداً مثل السرطان أو أصابه حادث سير تجدهم يهرعون إلى المستشفى ليبكوا هناك، وإذا قام الابن بمصيبة تجدهم في القسم يوبّخون الوالدة بالجملة الشهيرة "دي نتيجة تربيتك يا هانم" وإنت كانت فين تربيتك؟ صوت صرصور الحقل.
أحياناً أيضاً يسترد الله وديعته فيأتي آباء المناسبات للسرادق ليأخذوا العزاء في ابن أو ابنة يشبهونهم في الملامح والاسم الأخير، ولكنهم لا يعرفون عنه أي شيء، ولو جمعوا الساعات التي قضوها معاً لما تعدت أسبوعاً، شكر الله سعيكم.
في اعتقادي أن معظم آباء المناسبات يشعرون بالذنب؛ لأني سمعت حكايات لكثير منهم على فراش المرض الأخير يرسلون في طلب أبنائهم ويطلبون منهم العفو والسماح.
أعرف أبناء رفضوا العفو وتركوا هذا الرجل العجوز الذي يتوسل إليهم بحسرته على فراش المرض ومضوا غير آسفين.
وأعرف مَن عفوا بل وقفوا بجوار آبائهم في مرضهم أكثر من أبنائه الآخرين، وهو ما يجعلني أفكر أن آباء المناسبات يظلمون أنفسهم أيضاً فقد حرموا أنفسهم من أبنائهم في نفس الوقت الذي حرموا فيه أبناءهم منهم.
ولكن ما يقتلني أن كل هذه المواعظ والروايات والأفلام والمسلسلات لم تغير أي شيء، لم نسمع إلى الآن عن أي أب مناسبات قرر أن يكون له دور فعال في حياة أبنائه بدون كارثة أو مصيبة تجعله يفيق أحياناً كثيرة بعد فوات الأوان.
لماذا لا تتغيرون من دون مصائب؟
هل هو الكِبر؟ هل هو العند؟ هل هي الأنانية؟ هل هي رغبة في الانتقام من سيدة لم تعد تحمل اسمه عن طريق الانتقام من أولادها؟ هل هو عدم تسامح مع فشل تجربة الزواج فدعونا ننس كل ما يتعلق بها بمن فيها تلك النطفات التي تركتموها في أرحام زوجاتكم وتحولت لأطفال لا ذنب لهم في الحياة أن يعيشوا الخذلان كل يوم وكل ساعة من حياتهم؟
أفيقوا يرحمكم الله.. سيكون صعباً بالطبع أن ترجعوا لحياة أولادكم بعد سنوات وربما يرفضونكم؛ لأنهم سيشعرون بعدم الأمان وسيخافون أن تتركوهم مرة أخرى. ولكن الأمر يستحق العناء والمحاولة.. أليس كذلك؟
"كفى بالمرء إثماً أن يضيّع مَن يعول".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.