هؤلاء الذين يمتهنون مهنة الفن بكافة أنواعها، أكاد أن أشفق عليهم؛ لأنهم لا يكتفون بتجسيد شخصياتهم الحقيقية، ومعايشة تلك الحياة بتقلباتها وكفى؛ بل هم في صراعات، حتى وإن اختلف نوع العمل الدرامي.. صراعاتهم في الحياة تنتظرهم على باب البلاتوه، حتى ينتهوا من تجسيد صراعات غيرهم، فأي نفسية قد تحتمل ذلك. لكل الممتهنين لتلك المهنة لكم مني كل الاحترام والتقدير، وأخص اليوم الاستثنائية (صبا مبارك).
أول عمل فني لصبا مبارك في مصر هو فيلم "بنتين من مصر"، للشركة العربية للإنتاج والتوزيع، لصاحبتها الفنانة والمنتجة والإعلامية القديرة السيدة إسعاد يونس، وبدأت من هنا رحلة تلك الفتاة، التي وأينما كانت جنسيتك ستجد نفسك بها، ستجدها مثالاً للفتاة العربية الشاملة، القوية، شديدة الضعف، "الحقانية"، "المعافرة"، "المحبة". تلك الفتاة شديدة الانتماء لوطنها ولجميع الدول العربية، وشديدة الثورة على نفسها، وعلى بلدها، وعلى كل ما هو سلبي من حولها، تلك الفتاة المثابرة الحالمة.
تعدَّدت الأعمال الفنية في مصر من بعد فيلم "بنتين من مصر"، الذي يعد ضمن أهم الأعمال الفنية التي قُدمت في السينما المصرية، مروراً بمسلسل "حكايات بنات"، الذي قدَّمت به صبا دور "أحلام"، التي تنقل مشاعرها وما يحدث لها وحولها، عبر رسائل نصية، وتعيش قصة حب غير مكتملة، بالإضافة لتعدد الشخصيات المشتركة بالعمل.
ولعلّي أودّ أن أشيد بالتطور الملحوظ في لكنة "صبا مبارك"، فمن يشاهدها الآن يجد لكنتها لا تفرق عن أي مصري يعيش في مختلف أحيائها، يجد لَكنتها "أجدعها من أجدع مصري"، نجحت صبا في دور "أحلام" وما زال المسلسل حتى الآن يحقق ردود أفعال إيجابية، ما يمهِّد لإمكانية وجود جزء ثانٍ له.
انطلقت بعد ذلك في مسلسل "شربات لوز" مع الفنانة يسرا، "خلف الله" مع الحاضر الغائب نور الشريف، وظهرت كضيفة شرف في مسلسل "آسيا" مع منى زكي، و"موجة حارة"، وكان هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة في مصر، والتي حلَّت بالفعل منذ انطلاق مسيرتها، فهي تجيد اختيار أعمالها، حتى وإن كان سبب هذا التأني غيابها عن الشاشة، فهي من الفنانين (اللي ما بيحسبوهاش بالورقة والقلم).
قامت بتجسيد شخصية "ريا" في مسلسل "العهد"، حيث قامت بالسيطرة على "كفر النسوان"، ضمن أحداث المسلسل، في مشهد لن يُنسى ضمن مشاهد تلك الفنانة المجتهدة المتمكنة، وتصدّرت دخلتها ومشاهدها شبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة للجهد المبذول حينها من قبل الفريق المختص بالسوشيال ميديا، الذي كان انطلاقة لمسلسلات أخرى، وجعلها تهتم بتلك المنصة.
واشتركت أيضاً بمسلسل "حق ميت" رغم عدم كتابة اسمها على التتر، ولكن قيمتها الفنية أكبر، وحصلت صبا على جائزة عن دورها في ذلك المسلسل في حفل مجلة "الدير جيست" وظهرت صبا خلال رمضان 2016 في مسلسل "أفراح القبة"، وذلك في دور درية، التي وقفت أمام فتنة في أفراح القبة في مشهد ملحمي قامت بتجسيده الاستثنائية (صبا مبارك) مع الجميلة (كندة علوش).
هذه ليست مسيرة تلك الفنانة الاستثنائية، فمسيرتها وقيمتها الفنية أكبر من أن تختصر في تلك السطور، فإن كنت تود أن تقيم عملاً فنياً أو موهبة ما، فعليك أن تتابع التطور الذي يشهده فنانوك المفضلون، وتقيم نوعية أدوارهم وأدائهم، بالإضافة لتقييم اختياراتهم في كل عمل، فربما إن تم ذكر فقط الأعمال المصرية لصبا رغم جمالها ورغم تميز أدوارها سيكون هذا ظلماً لها، لكي يتم التقييم جيداً، ولإعطائها حقها لا بد من مشاهدة معظم أعمالها.
فعلى سبيل المثال، لا الحصر ولا الترتيب، جسَّدت صبا منذ سنتين شخصية فتاة منتجة تدعى زين (يعاد الآن على قناة أبوظبي) كان وسيلة قوية لدعم السياحة في الأردن، حينما تم عرضه باللهجة الأردنية التي يتحدَّثها الأبطال مع خفة ظلهم، كان للمسلسل صدى كبير حينما تم عرضه، ويتم الآن دراسة عمل جزء ثانٍ له.
كما جسَّدت شخصية عظيمة في واحدة من أعظم المسلسلات التي تم عرضها "مسلسل بلقيس"، ومسلسل "الشمس تشرق من جديد"، "الكواسر"، "نسيم الروح" وغيرها من المسلسلات المتعددة الأنواع، التي إن تابعت معظمها فقط ستجد نفسك تندمج أمام موهبة "جبارة"، موهبة "بتشتغل على نفسها"، موهبة "خسارة" أن تغيب يوماً عن الشاشة، ستجد نفسك أمام موهبة تراهن عليها، لأنها لا تقدم فناً فقط، هي تقدم علماً يُدعى "علم الفن"، صبا المجيدة للغة العربية ولقواعد النطق جيداً، ابنة المسرح الذي جعلها تتفوق على نفسها، تلك الفتاة التي حضورها وإن كان في مشهد عبارة عن بضع ثوان، تجد نفسك أمام الشاشة منبهراً، لأنها واحدة من القلائل الذين يقومون بلفت انتباهك "بياخدوك بسهولة".
في لقاء ظهرت فيه صبا ببرنامج "معكم"،ختمت الحوار بتلك الجملة التي أود أن تكون نهاية المقال، الذي أردت من خلاله تقديم الشكر والتقدير وكامل المحبة لصبا مبارك، الفنانة والإنسانة التي أعلم قيمتها جيداً، وأفتخر بها على كافة المستويات.. كانت كلماتها: "يا رب أفضل كده، وما اضحكش على نفسي؛ لأن المكان اللي احنا فيه لما بنبتدي نتعرف سهل جداً يتضحك علينا، وسهل جداً نفتكر إننا حاجة أكبر من قيمتنا الحقيقية، وسهل جداً نعتبر أن إحنا مبنتهزمش، وإن إحنا فظيعين، ورهيبين، وهنفضل عالقمة، والكلام ده كله مش حقيقي.. سهل إنك ترجع للصفر وتنزل لتحت الصفر، وسهل جداً يتضحك عليك، وتعمل حاجات وحشة، عشان إنت فاكر إنك عظيم، يا رب خليني في مكاني، وأمشي خطوات قد كده، بس أبقى واعية أنا مين، وفين نقط ضعفي قبل النقط اللي أنا كويسة وشاطرة فيها".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.