تجوب شوارع مدينة تعز الواقعة جنوب غربي اليمن يومياً مئات المركبات العاملة بالديزل وتخلف كمية هائلة من العوادم السامة، لكن وضع المدينة في زمن الحرب وعدم وجود نصّ تشريعي يمنع استخدامها يجعل جهود عناصر الشرطة في الحد منها صعبة للغاية.
الأربعاء الماضي كان شارع جمال في مدينة تعز يكتظ كعادته بالمئات من العربات مختلفة الحجم وقد بدأت بعضها في إطلاق سحابة زرقاء في الهواء دون اكثرات للمشاكل الصحية التي تحدثها، فيما كان بعض المواطنين يتجنبون استنشاقها عبر وضع قطعة قماش خفيفة على أنوفهم بلا فائدة.
عندما أذن رجل المرور في الشارع ذاته لصف طويل من العربات باجتيازه إلى الجهة المقابلة كانت الأدخنة المتصاعدة منها تشبه فوهة مدخنة أحد المصانع الصغيرة، وتحول المكان إلى ما يشبه غرفة صغيرة امتلأت بالدخان، لكن كل ذلك لم يكن مقنعاً للسائقين بضرورة الإقلاع عن ممارساتهم الخاطئة، كما لم يكن لافتاً انتباه رجل المرور الذي وقف لتنظيم السير دون أن يوجه تنبيهاً السائقين بالتوقف عن استخدامها.
قد يبدو ذلك محيراً للكثيرين من المهتمين بالبيئة كيف أن الشرطة في البلدان الأخرى تتعامل بقسوة مع ملوثي البيئة لكن في تعز وبسبب عدم وجود قوانين تشريعية ووضع المدينة في زمن الحرب الذي أنتج واقعاً جديداً جعلت جهود الأمن في الحد من ذلك صعبة للغاية.
ظروف استثنائية
يستغل عدد من مالكي المركبات القديمة الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد بشكل عام، فضلاً عن عدم سن التشريعات التي تجرم ذلك فيتجولون بمركباتهم الملوثة للبيئة بحرية دون الخوف من عقاب ما يؤدي إلى وصول نسبة التلوث لمستويات قياسية.
يقول سائق شاحنة متوسطة الحجم تعود لإحدى الشركات التجارية في المدينة أن عدم وجود تشريع يجرم استخدام السيارات الملوثة للبيئة أغرى كثير من الشركات على استخدام شاحناتها القديمة بدلاً من شراء عربات حديثة يكلفها الملايين.
يضيف هذا السائق الذي رفض إعطاء اسمه لي وهو يضغط على كابح سيارته باستمرار مطلقاً خلفه سحابة من الدخان، "ما أقوم به ليس ممنوعاً طالما لا يوجد قانون يمنح رجل المرور صلاحيات إيقافي عن العمل بهذه المركبة".
كما أن وضع المدينة المتدهور والحالة المادية الصعبة التي يعيشها الناس دفعتهم لشراء مثل هذه المركبات.
وبالرغم من عدم وجود أفق نهائي لانتهاء الحرب المشتعلة منذ ما يزيد على ثلاث سنوات فقد وُلدت مشاعر الإحباط لدى الناس ودفعت الكثير منهم إلى العودة لممارسة أعمالهم التي انقطعوا عنها بحدودها الدنيا، والبعض من هؤلاء سائقو المركبات الخاصة أو تلك التي تتبع الشركات التجارية.
فأما الخاصة منهم فقد اتجهوا نحو المركبات المستعملة واشتروها بأثمان رخيصة تتناسب مع ما أبقت لهم الحرب من مدخرات غير مبالين ما إذا كانت تصرفاتهم تدمر البيئة.
"أرقام مرتفعة"
ووفقاً لناشطين في مجال حماية البيئة فإن قطاع النقل يحتل الترتيب الأول في مصدر الملوثات، فعلاوة على وجود أكثر من 1500 مركبة تعمل بالديزل تدخل هذه المدينة المحاصرة من ثلاثة اتجاهات باستثناء منفذ واحد، نصف هذا الرقم من القرى والبلدات المحيطة بالمدينة مخلفة أطنان من عوادمها السامة يومياً.
وأشار الناشطون إلى أن العربات العاملة بالديزل تستخدم هنا بكثرة؛ نظراً لرخص ثمنها وتتسبب بانبعاثات تترك آثاراً صحية خطيرة على السكان، داعين محافظ المدينة الذي عُيّن حديثاً إلى إصدار تشريع يجرّم استخدام هذه المادة نظراً لما تخلفه من أضرار بيئية خطيرة.
ذروة التلوث
عند الساعة الثانية عشرة ظهراً ذروة الازدحام المروري يتبارى سائقو المركبات القديمة والحديثة في الوصول إلى مقاصدهم بسرعة فائقة، غير مدركين أن ما يقومون به ليس سوى عمل غير قانوني يزيد من تلوث الهواء.
وتمثل عوادم السيارات مشكلة إضافية لهذه المدينة المحاصرة والتي تشهد أكثر المعارك دموية بين القوات الموالية للحكومة التي يقودها الرئيس عبدربه منصور هادي من جهة وجماعة الحوثي من جهة أخرى منذ أكثر من ثلاثة سنوات.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.