عندما وضعت قرعة كأس العالم روسيا 2018 المنتخب الوطني المغربي في مجموعة الموت، كما أطلق عليها آنذاك، والتي تضم كلاً من المنتخب البرتغالي بطل أوروبا، و"المتادور" الإسباني، إلى جانب المنتخب الإيراني.
كانت أغلب التكهنات تصب في تقديم عرض مقنع، والخروج بوجه مشرف، وفي آخر المقابلات الاستعدادية، وإن كانت مع فرق ليست بالقوية، أبانت النخبة الوطنية عن تحسن ملحوظ، سواء من حيث الانسجام أو الاستعداد البدني.. وهنا أصبح طموحنا أكثر، وبدأنا نفكر في إمكانية خلق مفاجأة من العيار الثقيل عبر نزع بطاقة المرور من أحد المرشحين (المنتخب البرتغالي أو منتخب لاروخا)، وهذا يبدو منطقياً، بينما عالم كرة القدم لا يراعي فقط هذا الجانب، وإنما تتداخل فيه عوامل أخرى، منها العلاقاتية، ونقصد بها قوة الجهاز التواصلي التأثيري لدى "الفيفا"، إضافة إلى عامل التجربة وتراكم الخبرة، الذي لا يأتي إلا مع الوقت والممارسة، وأيضا العامل الذهني الذي يواكب الاستعداد لكل مباراة.
دخلنا المونديال ونحن متأكدون من الفوز على أضعف فريق في المجموعة، "حسب توقعاتنا"، وقدمنا عرضاً كروياً قلّ نظيره من ناحية الاستحواذ (70%)، فيما كانت المفاجأة هي تلقينا هدفاً ضد مجرى اللعب، وفي آخر أنفاس اللقاء.
وهنا وجب تعلم درس غاية في الأهمية، وهو قانون غير مكتوب في كرة القدم، "عندما تضيع الكثير من الفرص ستتلقى هدفاً!"، خصوصاً في المنافسات الكبيرة، فكل الفرق، كيفما كان مستواها، تريد تقديم أقصى ما عندها، إضافة إلى درس آخر مهم هو أن المنتخب الإيراني ليس ضعيفاً، بل على العكس هو من أقوى الفرق في آسيا، وكان أول المتأهلين إلى المونديال، ويملك إطاراً تدريبياً على درجة عالية من الكفاءة، وليس مفاجئاً ما قدمه، حيث إنه كان قريباً جداً من المرور إلى الدور الموالي.
شخصياً، أعتقد أنه في المقابلة الأولى كانت تنقصنا التجربة، مما أثر على تركيزنا، بالرغم من المستوى الكبير الذي قدمته النخبة الوطنية، وهذا طبيعي، حيث إن التجربة تكتسب بالعمل المستمر وتراكم الخبرات، وقد أقر هيرفي رونار بذلك حين قال: "هذا أول مونديال بالنسبة إليَّ، وعلينا التعلم أكثر".
وبخصوص أهمية اكتساب التجربة، فلننظر إلى منتخبات اشتغلت بشكل مستمر، وهي الآن تحصد النتائج، نذكر منها بلجيكا، كرواتيا، فرنسا وسويسرا.. فالأمر يتعلق بالتدرج، فهو قانون أساسي لكل نجاح، فلا يمكنك صنع فريق قوي من خلال إرسال لاعبين إلى بلد كروي؛ ليتعلموا بسرعة مثلما فعل المنتخب السعودي، أو أن تعتقد أن مجرد وجود لاعب كبير في الفريق سيصنع فريقاً قوياً كما هو حال المنتخب المصري!. إن العمل بجد وباستمرار وبخطط واضحة هو الذي يصنع الفرق.
في المقابلة الثانية أمام المنتخب البرتغالي، أدينا لقاء بطولياً باعتراف الجميع، وعلى رأسهم مدرب الفريق البرتغالي ونجم المنتخب "الدون"، وقد أظهرنا قوة ذهنية متمثلة في القدرة على مقارعة الكبار بكل شجاعة، لكن القرارات التحكيمية كانت غير عادلة وحاسمة في النتيجة، وقد تكلمت أبرز القنوات العالمية عن هذا الأمر، وأصبح الحديث عن الوافد الجديد الملقب بـ"الفار" أو VAR كأداة فيتو جديدة لدعم بعض الفرق ودحض أخرى، بينما الغاية التي روج لها "الفيفا" قبيل مجيء "الفار" كانت هي دمقرطة اللعبة من خلال الفيديو قصد التقليل من الأخطاء البشرية الطبيعية.
وهنا درس آخر وجب أخذه بعين الاعتبار، وهو أنه ليس كافياً أن تكون لديك الكفاءة في اللعبة، بل أيضاً جهاز تواصلي مؤثر يحميك من كل ما هو محتمل، فالحكم الأميركي مارك جيجر، الذي أدار لقاء المغرب والبرتغال له سجل غير نظيف، إضافة إلى علاقاته بالحكام البرتغاليين في أميركا، كما ذكر أحد الحكام المغاربة في بلاد العم السام.
في المقابلة الثالثة والأخيرة أمام نجوم اللعبة المكونة من ريال مدريد وبرشلونة، أبانت العناصر الوطنية عن كعب عال ونضج تكتيكي ورفعت شعار "الخروج بشرف"، وأعتقد أن غياب ضغط الفوز، عكس ما كان في المقابلة الأولى، أثر بشكل إيجابي على أداء المنتخب الوطني، وجعله يلعب بندية كبيرة؛ حيث تقدم مرتين في النتيجة، ولولا القرارات التحكيمية الغريبة من جديد لسجل التاريخ انهزام "الماتادور" الإسباني على يد "أسود الأطلس".
حيث لوحظ ارتباك في المنظومة التحكيمية ككل، خصوصاً بعد أن خلق المنتخب الإيراني المفاجأة وتعادل مع المنتخب البرتغالي، آنذاك وبعد أن تجاوزت الكرة الخط ولعبها لاعب إسباني أشار الحكم إلى ركنية من جهة اليمين، فلُعبت بشكل غريب وخاطف من جهة اليسار، وسُجل هدف من وضعية شرود كما أقر الحكم، بيد أن غرفة عمليات "الفار" لم تستحسن الأمر، وأقرت الهدف بعد تواصل هاتفي مع الحكم الرئيسي، دون أن يشاهد هذا الأخير اللقطة كما هو معتاد! حقيقة، سيناريو هوليوودي بامتياز أعاد إلى خبراء اللعبة حقيقة مفادها أن الوافد الجديد (الفار) يمكن أن يؤثر في النتائج بصورة سريعة من خلال التأثير على حكم المباراة عبر إعطائه الصورة المرغوبة في اللحظة المرغوبة!
هذه هي الصورة الأولية لمونديال 2018، الذي قدمت فيه روسيا عرضاً ناجحاً من حيث الاستعداد والترحاب والأمان، بيد أن النقطة التي ستُعكر هذه الصورة ستكون دون شك أفعال "الفار" الذي يخرج من جحره متى يشاء ليعكر صفو الأجواء.
لم أرغب في التطرق إلى الجانب التكتيكي؛ لأنه شتان بين الجلوس أمام الشاشات أو حتى حول طاولة التحليل، والتواجد في جو المونديال وكل تفاصيله، وأعتقد أن المدرب الحالي ينتظره الكثير من العمل لتطوير الأداء.
لست متأكداً من بقائه بعدما شاهدت حواراً لرئيس الجامعة وهو يتحدث بأن كل الخيارات مطروحة بعد المونديال، بما في ذلك بقاؤه على رأس الجامعة المغربية.
أضف إلى ذلك أن أسهم "الثعلب" الفرنسي ارتفعت، وأصبح مطلوباً في إفريقيا، وسيكون أفضل لو استمر مع هذه النخبة من الشباب الواعد، الذي أبان عن روح قتالية وطنية، واكتسب شخصية مع هيرفي رونار في السنتين والنصف التي مرت، خصوصاً أننا مقبلون على إقصائيات كأس إفريقيا 2019 وبعدها إقصائيات كأس العالم 2022، مما سيتيح لنا اكتساب الخبرات لنقول كلمتنا على المستوى الإفريقي، ونرفع شعار "يمكننا" We can على المستوى العالمي بعدما رفعنا شعار "لِمَ لا؟" Why not هذه المرة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.