تدني معدل القراءة في بلادنا العربية، حقيقة لا غبار عليها، تعايشنا معها واستسلمنا لها منذ زمن طويل لم نعد نستغرب نسب الإحصائيات والدراسات التي تؤكد في كل مرة مدى عجزنا وسباتنا العميق بين دهاليز الماضي اللامتناهية، قابعين هناك.. حيث كانت الحضارة الإسلامية في أوجها وكانت العقول تبدع في شتى الميادين، العلمية والأدبية والفنية، يبدو أن الزمن توقف بنا عند تلك الحقبة واكتفينا بما قدموه هم، اكتفينا بالتمجيد التهليل والافتخار بما مضى، اكتفينا بشرف الانتماء معتقدين أننا امتداد لهم، نحن الأحفاد المبجلين حاملي المشعل الذي لم توقد ناره أبداً، كأننا كذبنا الكذبة ثم صدقناها، آمنا بها، واعتبرناها حقيقة مطلقة وما هي إلا وهم كبير.
بينما يسير العالم في منحى متصاعد نحو المزيد من الوعي والارتقاء نسير نحن على كوكبنا الخاص في المنحى المعاكس تماماً نراقب وننتقد ونتذمر من أحوالنا وما آل إليه زماننا ثم نسأل مراراً وتكراراً متى يأتي الفرج، متى يأتي نصر الله وتأييده لنا؟!
في الحقيقة هذا النصر لن يأتي أبداً ما دمنا متقاعسين متكبرين عن العلم متعصبين لآراء قديمة أكل عليها الدهر وشرب، كيف يأتي النصر ونحن لا نكلف أنفسنا عناء التعلم والتفكر أو حتى القراءة الهادفة، يبدو أن هاته المهمة شاقة جداً ويصعب علينا تنفيذها، فنحن غالباً ما نتحجج بالظروف وضيق الوقت وكثرة المسؤوليات والضغوطات والتيه بين دروب الحياة، لم أعد أدري إن كنا نحن من نسيّر حياتنا أم هي من تسيرنا وتقرر اختياراتنا بدلاً عنا!
هذه الدوامة لن تتوقف مطلقاً إن لم نوقفها نحن بكامل إرادتنا وعزمنا. ماذا لو حاولنا ولو لمرة واحدة الخروج عن المألوف وتجربة أشياء أخرى أكثر نجاعة لأن معتقداتنا السابقة لم تجدِ نفعاً، ماذا لو اعتبرنا القراءة حلنا الأمثل وخلاصنا من الواقع المرير ماذا لو وجهنا الجهود المبذولة في التذمر نحو التعلم، البحث العلمي وخوض نقاشات بناءة تساعد على التفكير والتحليل السليم، ماذا لو خصصنا وقتاً معيناً من يومنا لقراءة كتب مفيدة تنير العقل وتوسع الإدراك، هكذا تنكشف الأسرار التي غابت عنا، تنفتح عقولنا نتمكن من تحسين جودة حياتنا، ونفهم هدفنا من الوجود، وحدها القراءة تحفز عقولنا على الغوص في الأسئلة وتنفض غبار البرمجة الدفينة، وحدها تجعل منا أشخاصاً متجددين باستمرار، ففي كل مرة يزداد وعينا نمر لمرحلة أرقى وأنقى فنصدم من هول القاع ومن جرائم البرمجة، ثم نصبح أكثر وعياً بأنفسنا وأكثر مواكبة وانفتاحاً على العالم، من هنا يبدأ نور العلم بالانبثاق ونخطو أولى الخطوات في اتجاه الازدهار.
الأمر في غاية البساطة، فقط يتطلب اتخاذ قرار حازم نابع عن رغبة صادقة في التغيير ثم يأتي دور التنفيذ والخروج من منطقة الراحة التي أمضينا فيها عقوداً طويلة، أما آن الآوان لتوديعها ومواكبة الركب الحضاري والثقافي الذي طالما حلمنا به وتحسرنا عليه من جيل إلى جيل كأنه معجزة ننتظر حدوثها، لقد حان الوقت لنستفيق من هاته الغيبوبة العميقة، حان الوقت لنزرع في أبنائنا حب المطالعة والبحث عن أجوبة تقنعهم، حان الوقت لنسمح بطرح الأسئلة دون خوف أو ترهيب، حان الوقت لنفكر خارج الصندوق لنضعه جانباً ونستمتع بالحرية في التعبير والتفكير والاختيار، حينها سنعلم كم كنا مقصرين في حق ذواتنا وكم حرمنا أنفسنا من لذة التعلم.. لمن يريد أن ينطلق نحو رحلة الارتقاء فإن الأوان لم يفت بعد، لا تزال أبواب الأمل مفتوحة على مصاريعها ومفتاح العلم بين يديك تستطيع أن تصل به إلى عنان السماء لترتشف حقيقة الحياة وروعتها، أما من يفضل المكوث في الماضي والتشبث بموروثه سيمضي زمانه والحسرة تملأ قلبه حتى آخر لحظاته.. ولا تنسوا أبداً أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.