ألا يجب على هذا العالم أن يرجع إلى إنسانيته التي فُطر عليها، وأن ينتزع حيوانيته التي بات مصرّاً على العيش بها، وما زال الناس يُقتلون تحت مظلات العنصرية والطائفية، فطرنا الله على الدين ولم ندرك أنه سوف يكون سبباً في نهاية حياتنا، فالدين أصبح سبباً للموت، واللون أصبحت نتيجتُه العبودية، والعِرق المتدني يجب عليه أن ينقرض.
ظهر الإسلام بالنُّسك والصلاة ومنهاجاً للحياة حتى الممات، فأُعطيت منهجيته نظرة غيبية لما بعد انقطاع الحياة لوصال حياة أخرى لا تنقطع، فاليوم يعيش المسلمون في كل بقعة بتلك الأرض من مشرقها حتى وقت ومكان مَغربها، فتمدد الإسلام فوصل إلى الريف والحضر؛ إلى المرأة والرجل؛ إلى الأصم والأبكم والمتكلم، ولكن تعرَّض الإسلام في كثيرٍ من الأحيان لنكبات شديدة بكل الأزمان والبقاع نتجت عن أسباب كثيرة لا تحصى، فكل انتكاسة لها سبب وكل عداء له كره موازٍ. وكل قتل أمامه حائط تملؤه لوحات المصالح والمطامع.
في تلك السلسلة، نحاول أن نوضح أحوال المسلمين بكل بقعة في الأرض؛ لنتعرف عليهم وعلى أحوالهم المعيشية وظروفهم الاجتماعية وأحزابهم السياسية وطوائفهم المذهبية.
ميانمار أو بورما
رجل أسمر اللون، طويل القامة، مهرول الملبس، في حيرةٍ من أمره، يحاول الهرب، يبحث عن مكان ليختبأ جسده من سِكين قاتل عائلته. إن وجدت هذا الرجل، فاعلم أنه من أقلية الروهينغا التي تعيش في ميانمار.
وهي الدولة التي عُرف فيها المسلمون بأنهم الأقلية الأكثر إبادة في القرن الحديث حسب وصف منظمات دولية، الدولة التي يلجأ منها ما يقرب من 700 ألف مسلم في دول الجوار "بنغلاديش".
ويقرب عدد سكان ميانمار من نحو 55 مليون نسمة، نسبة المسلمين لا تقل عن 10%، في حين يسكن عدد كبير من المسلمين بإقليم أراكان "راخين"، الذي يدور في جميع مناطقه أعمال عنف وقتل ضد الأقلية المسلمة المعروفة بـ"الروهينغا".
أما عن الجغرافيا، فتحدُّ بورما من الشمال الشرقي الصين، وتحدُّها الهند وبنغلاديش من الشمالِ الغربي، وتشترك حدودها مع كل من لاوس وتايلاند. أما عن حدودها الجنوبية، فسواحل تطل على خليج البنغال والمحيط الهندي. وتمتد ذراعان من بورما نحو الجنوب الشرقي في شبه جزيرة الملايو.
ويتحدث سكان بورما اللغة البورمية، كما تتعدد العرقيات فيوجد أكثر من 140 عِرقاً مختلفاً، والديانة الرسمية هي البوذية. وتوجد المسيحية، والهندوسية، والإسلام المتمثل في إقليم أراكان.
كيف ساعدت إسرائيل في قتل مسلمي الروهينغا؟
في مايو/أيار 2018، اندلعت الفتنة غرب ميانمار عندما قُتل 10 أشخاص مسلمين بأيادٍ بوذية عندما تعرضت فتاة للاغتصاب ثم القتل من قِبل 3 رجال مسلمين قبل ذلك بأسبوع واحد، ومن هنا تحولت ولاية راخين أو أراكان -كما عرفت على مدى قرون- إلى منبع الفتنة والتحريض من قِبل البوذيين ضد مسلمي الولاية، تم التحريض من قِبل الرهبان ورجال الدين البوذيين، في المقابل شجعت المساجد شباب الروهينغا على الدفاع عن أنفسهم ضد العدوان والتحريض المستمر.
ولكن، ما التقطته الكاميرات مؤخراً، هو أن الرجل ذا البشرة السمراء الذي يقف موجِّهاً سلاحه إلى مستضعف الروهينغا، السلاح "صُنع في إسرائيل"؛ ولذلك بدأ البحث عن علاقة البلدين بعضهما ببعض في المجالات المختلفة، لا سيما المجالين العسكري والدبلوماسي.
ويبدو أن التحالف ليس وليد اليوم ولكن منذ أن وُلدت إسرائيل، فميانمار هي أول دولة آسيوية تعترف بوجود دولة إسرائيل عام 1948، ثم بعد ذلك صوتت حكومة ميانمار لصالح دخول إسرائيل ضمن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومجلس الأمن عام 1949، مما جعل منظمات حقوقية عالمية مثل منظمة العفو الدولية وغيرها تدين تلك التبادلات العسكرية وتصدير الأسلحة التي تساعد في التطهير العرقي بحق الروهينغا، وقد حرم الاتحاد الأوروبي عام 2016 تصدير الأسلحة لحكومة ميانمار، ولكن الحكومة الإسرائيلية لا تبالي بتلك القرارات ولا تنظر إلى لمصالحها وإبادة من يقف أمامها.
حال مسلمي الروهينغا في الداخل والخارج
"أريد متابعة دراستي، أريد أن أصبح طبيبة، لكن لا يمكنني ذلك؛ لأن السلطات لن تسمح لنا".
كانت تلك الكلمات تعبر عن حال فتاة في عمر الـ16 في ولاية أراكان، يبدو أن الوضع القانوني هناك أسوأ بكثير فقد صرح الجنرال مينغ أونغ هلينغ، القائد العام لجيش ميانمار،
بأنه ليس هناك عرقية تُدعى الروهينغا في ميانمار.. وبذلك يعاني الوالدان تسجيل مولودهم الجديد. وفي اندلاع آخر موجة من العنف والتطهير اعتقلت قوات الجيش المسلحة الآلاف من سكان الإقليم. وبحسب منظمات دولية، لا يقدَّر عدد من قُتلوا على يد الجيش النظامي من المسلمين، ولكن قد رصدت تحقيقات وتقارير وجود ما يقرب من 700 ألف لاجئ روهينغي فارين من القتل إلى بنغلاديش، منهم آلاف النساء اللاتي حملن بعد اغتصابهن على يد عناصر من الجيش في أثناء اقتحامهم الإقليم، كما يعاني آلاف الأطفال نقص الغذاء والكساء وعدم توفير التعليم لهم.
ولكن، ليسأل المسلم: لماذا لا نجاهد لنصر المستضعفين من المسلمين هناك؟!
فكان الرد بتلك الكلمات.
"إذا لم نحصل على حقوقنا، وإذا تطلَّب الأمر موت مليون، أو مليون ونصف المليون، أو كل الروهينغا، فسنموت، لنحصل على حقوقنا، سنحارب ضد الحكومة العسكرية المستبدة"، هكذا قال عطاء الله، زعيم حركة إنقاذ الروهينغا، لوكالة رويترز، وهي الحركة التي نشأت في إقليم أراكان للدفاع عن الأقلية التي تباد بواسطة الجيش النظامي، وقال إن الحركة ستجاهد ضد البوذيين لحين إيقاف الإبادة التي تتم بحق المسلمين.
وتتجه أنظار العالم -لا سيما العربي- إلى تلك القضية التي يعاني ضررَها مئاتُ الآلاف من المشردين بكل مكان، ولكن في المقابل تُصر الحكومة الميانمارية على اضطهاد المسلمين هناك؛ مما يدفع المسلمين لحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.