أحبُّ الاحترام والشهامة، وأعشق الرفق والعفو وباقي الأخلاق الكريمة والطبائع الحميدة، وبالموازاة مع ذلك فأنا أبغض أن يسفّه أو ينتقص أحدنا الآخرين، بحجة أن أخلاقهم لا تروق لنا أو تتنافى مع مبادئنا.
كما أخاف أن يخدّر العقول قول القائل بأن المجتمعات سوف تنهض وتسبق غيرها في ميدان المنافسة إذا تركت كلّ شيءٍ وركّزت فقط على الأخلاق.
تسألني نفسي: هل الغلبة حقاً فقط للأخلاق؟ معنى هذا أن العلم والعمل والقوة المادية والسياسية وحتى القوة العسكرية لا دور لها إذا كانت الأخلاق بخير، ومعيار التمييز هو فقط حسن الخلق.. هل هذا صحيحٌ فعلاً؟ لنفرض جدلاً أن الأخلاق، والأخلاق وحدها هي المفتاح الوحيد للريادة والتميّز، فهل حقاً أخلاقنا أفضل؟
هل أخلاقنا أفضل وقلّما يخلو بيتٌ من إخوةٍ متخاصمين يشتم ويلعن بعضهم بعضاً بسبب حفنة من المال؟ هل أخلاقنا أفضل وما يكاد يغادر صديقٌ بيت أصحابه إلا طعنوه بخناجر الغيبة والحسد بينما غيرنا يتكاتف ويبني للمصلحة العامة؟ هل أخلاقنا أفضل وقد عدتُ من سفري الطويل للقاء صديقي القديم الذي واعدته على الساعة الخامسة فيأتيني البيت قرابة الساعة الثامنة بدون أيّ إحساسٍ بالخطأ وقد أوقفت جميع أمور حياتي بانتظاره وارتفع ضغط الدم عندي لأرقامٍ فلكية؟
يدعوني أحد الأصدقاء يوماً إلى العشاء في بيته مع بعض الشباب، فيأتي الذين ننعتهم بالغربيين اللاأخلاقيين على الموعد وربما أبكر قليلاً، ويتأخر بنو جلدتي ساعاتٍ دون أي عذر، ويبدأ الحاضرون باللمز والطعن في عاداتنا ومواعيدنا المطاطة من غير أن أستطيع أنا وصديقي التفوه بأيّ كلمة.
"نقول إن أخلاقنا أفضل وقضايا المشاحنات والآداب في المحاكم تفوق التصور".
ربما أخلاقنا أفضل، ولكن بما نبرر رمي الأوساخ من السيارة، وقلة الأدب مع مَن هم أكبر منّا سناً، وضرب الآباء لأبنائهم والأساتذة لطلابهم وأرباب البيوت لخدمهم والقرويين لحيواناتهم. من الصعب جداً أن أقتنع أن أخلاقنا أفضل ومديري في العمل يستغل جهدي لينسب الفضل والإنجاز لنفسه، ويعاملني معاملةً لا أقول عنها غير أنها لا تمتّ لأخلاق المهنة بِصِلة. قلّما يتصل بنا أحدهم إلا للضرورة، وإذا اتصل فلا نزعج أنفسنا بالرد أو معاودة الاتصال، وعندما يسألوننا عن عدم الرد نحتج بأننا مشغولون، مع أن قصص حياتنا وصورنا وتعليقاتنا تملأ صفحات التواصل الاجتماعي.
قبل سفري للدراسة أرسلت لي الجامعة منشوراً عن بعض الإرشادات والنصائح العامة لأقرأها قبل السفر، وكان من هذه النصائح ما يلي:
"الشعب الأميركي شعبٌ يقدّر الوقت فإذا كان لديك موعدٌ مع أحدهم في ساعةٍ محددةٍ فكن على الوقت وليس بعد الوقت؛ لأن الشخص هذا ربما لا ينتظرك وسيمضي إلى أموره وتضيع عليك فرصة مقابلته".
ظلّ هذا الكلام عالقاً في ذاكرتي، وسيبقى إلى أن يأتي اليوم الذي سنبعث فيه بمنشور النصائح الخاصة بنا، فنحن لدينا من الكنوز الأخلاقيّة ما إن أظهرناها للعالم على حقيقتها لأدهشناه.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.