بعد أن تألق الكابتن محمد الشناوي حارس مرمى المنتخب المصري لكرة القدم، وذلك في مباراته أمام منتخب الأوروغواي في نهائيات كأس العالم المقامة بروسيا الاتحادية 2018،
وبعد أن اختارته اللجنة المنظمة لنيل جائزة لاعب المباراة الأفضل (MOTM) أو Man of the match
وحين ذهب الشناوي لتسلُّم الجائزة؛ فوجئ بأن الشركة الراعية لجوائز المباريات هي إحدى كبرى شركات الخمور في أوروبا والعالم (Budweiser)، فقرر اللاعب المصري المعتزّ بتعاليم الإسلام أن يتخذ موقفاً يصعبُ على أيِّ لاعبٍ آخر أن يتخذ نظيره حيال لقبه الدولي الأول في تلك المسابقة الأهم في العالم، وذلك حين رفض تسلُّم الجائزة وقرر التضحية بها!
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالثناء على اللاعب الوقور والإشادة بموقفه الجسور، إلّا أنَّ صوتاً زاعقاً قرَّر أن ينال من اللاعب وأن يمارس الخلط والخبط عليه!
فقد كتب الطبيب والكاتب الصحفي المصري خالد منتصر في صفحته على "تويتر" مجموعةً من التويتات المتهجِّمة المتهكِّمة، وكان أسوأها على الإطلاق قوله: "مرَّة حارس مرمى دولي رفض جائزة مكتوب عليها اسم شركة خمور انتظاراً وطمعاً في جنة تغريه وتعِده بأنهار الخمور!".. انتهى كلامه.
مرة حارس مرمي دولي رفض جائزة مكتوب عليها اسم شركة خمور انتظاراً ل وطمعاً في جنة تغريه وتعده بأنهار الخمور
— khaled montaser (@khaledmontaser) ١٦ يونيو ٢٠١٨
المذهل حقاً أنّ الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) قرر تغيير بروتوكول منح الجوائز، وذلك بإزالة صورة شركة الخمور (الراعي الرسمي لجائزة) الـMOTM، وذلك حين يفوز بها لاعبٌ مسلم!
فكأنّ الله -تعالى- قد أراد تخليد هذا الموقف البطولي الذي وقفه الشناوي ليكون سُنَّة حسنةً سنَّها اللاعب الخلوق في تاريخ هذه المسابقة العالمية.
ولأنّ ما كتبه خالد منتصر يشتمل على إساءةٍ مبطنة لمعتقدات المسلمين، الذين يُفترض به أنه منهم! فقد قررتُ أن أكتب رداً مفصلاً على كلامه الغالط الخالط المتهافت:
جاء ذكر خمر الجنة في 4 مواضع من كتاب الله تعالى:
الأول: تصريحاً بلفظ الخمر في سورة محمد الآية 15،
والثلاثة الأُخَر ضمنياً في ذكر مشروبات الجنة، وذلك في سورة الصافات الآيات (45: 47) والواقعة (17: 19) والطور (23)، ولو أنّ خالد منتصر كلّف خاطره أن يقرأ القرآن العظيم وأن يفهمه ويتعرّف على مبانيه ومعانيه، لما وقع في ذلك الخلط الفاحش بين خمر الدنيا وخمر الآخرة رغم أن ما بينهما ليس أكثر من المشترك اللفظي! كما يعرفه الأصوليون.
يقول شيخ المفسرين الإمام الطبري في آيات سورة الصافات: "وقوله (لا فِيهَا غَوْلٌ) يقول: لا في هذه الخمر غول، وهو أن تغتال عقولهم: يقول: لا تُذهب هذه الخمر بعقول شاربيها كما تذهب بها خمور أهل الدنيا".. انتهى.
وفي تفسير الجلالين لآيات سورة الواقعة: "(لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزَفُونَ) بِفَتْحِ الزَّاي وَكَسْرهَا مِنْ نَزَفَ الشَّارِب وَأَنْزَفَ؛ أَيْ: لَا يَحْصُل لَهُمْ مِنْهَا صُدَاع وَلَا ذَهَاب عَقْل بِخِلَافِ خَمْر الدُّنْيَا".. انتهى.
وجاء في تفسير الحافط ابن كثير للآيات نفسها: "وقوله: (لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزفُونَ)؛ أي: لا تصدع رؤوسهم ولا تنزف عقولهم؛ بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة".. انتهى.
وقال الإمام القرطبي في تفسير آية الطور: "(لا لغوٌ فيها ولا تأثيم)؛ أي: لا يتكلمون فيها بكلام لاغ، أي: هذيان، ولا إثم، أي: فحش كما يتكلم به الشربة من أهل الدنيا، قال ابن عباس: اللغو: الباطل، والتأثيم: الكذب. وقال مجاهد: لا يستبُّون ولا يؤثمون. وقال قتادة: كان ذلك في الدنيا مع الشيطان، فنزَّه الله خمر الآخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها كما تقدم، فنفى عنها صداع الرأس ووجع البطن وإزالة العقل بالكلية، وأخبر بأنها لا تحملهم على الكلام السيئ الفارغ من الفائدة المتضمن هذياناً وفحشاً، وأخبر بحسن مظهرها وطيب طعمها ومخبرها".. انتهى.
يقول العلامة الطاهر بن عاشور في آية سورة "محمد": "فوصفُ خمر هنا بأنها (لذة) معناه يجد شاربها لذاذة في طعمها، أي بخلاف خمر الدنيا فإنها حريقة الطعم، فلولا ترقُّب ما تفعله في الشارب من نشوة وطرب لما شربها لحُموضة طعمها".. انتهى.
وروى الضحاك عن ابن عباس -رضي الله عنه- (ترجمان القرآن) أنه قال: "في الخمر أربع خصال: السكر، والصداع، والقيء، والبول. فذكر الله خمر الجنة ونزهها عن هذه الخصال".. انتهى.
فهذه أقوال المفسرين متضافرةٌ على القطع بأن خمر الآخرة لا تُذهِبُ العقلَ كما تفعلُ خمرُ الدنيا، ولا تحمل شاربها على القول والفعل بدون وعي، ومن المعلوم من دين الإسلام بالاضطرار أن الخمر أمُّ الكبائر، وهذا يعرفُه غيرُ المسلم حتَّى قبل المسلم!
وكاتب هذه السطور يعرفُ شخصياً سيدةً أوروبية فاضلة قررت اعتناق الإسلام منذ أعوام حين سمعت أنه دينٌ يُحرِّمُ الخمر؛ لأن أباها مدمن معاقرة الخمور كان قد اعتاد ضربها واغتصابها وهي طفلةٌ صغيرةٌ كلما لعبت الخمرُ الملعونة برأسه.
وقد تواترت الرواياتُ الشبيهة عن كثيرين أسلموا وحسن إسلامهم، ولم يدفعهم لاعتناق الإسلام إلا أنهم سمعوا أو عرفوا بموقفه الحاسم من الخمور، فالحمد لله على نعمة كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد، تلك النعمةُ التي لم يعرفها بعضُ أهل ملَّتِنا ولم يقدروها حقّ قدرها؛ لأنهم اتخذوا القرآن مهجوراً !
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.