لستُ أحزنُ على شيء إلا أن يأتي العيد وأنا لم أستعد له تمام الاستعداد، في السابق كانوا يعلّمون بسلبية بأن العيد ليس لمن لبس الجديد، وإنما لمن خاف يوم الوعيد، واليوم علينا أن نعترف أن العيد لمن لبس الجديد، وأظهر الفرح والسرور، وأزال عن عاتق البائسين الظلم، وقدم لهم يوماً سعيداً.
فلسفة العيد الذي يعاد لنا في كل عام مرتين ولا يتكرر علينا كثيراً وفي نفس الوقت، ترانا نهمله كثيراً ولا نعتني به، ولا نشعر بأيامه وساعاته ولحظاته، بل والأسوأ من ذلك أن يكون إعادة للأحزان وزيارة لأهل القبور، بدل أن يحمل الزوجُ باقة ورد يهديها لزوجته، أو يحمل الحبيب باقة تحفة فنية ليهديها لحبيبته، أو يحمل الصديق هدية رمزية ليهديها لصديقه، العيد الذي جعله الله لنا بعد طاعتين عظيمتين بعد رمضان يأتي مباشرة عيد الفطر، وبعد أيام العشر من ذي الحجة يأتي عيد الأضحى.
عيدان في كل عام لا يعادان وترانا إلى اليوم لم نحسن استثمارهما، إلا أن العادات المجتمعية في بعض المدن ما زالت مستمرة من أن تجتمع العوائل الكبرى ويتناولوا الطعام ثم يتفرقوا لشؤونهم الخاصة، وهذا شيء حسن على الرغم من بداية اندثاره في بعض الأماكن.
كيف يمكننا استثماره اجتماعياً؟
لو جعلنا العيد انطلاقة للتصالح والتسامح ونبذ الخلاف ونشر ثقافة السلام، لو قررنا هذا العيد أن يحمل كل واحد بيده وردة صغيرة يهديها لجاره أو مَن يراه في طريقه، أو أن نحمل الحلوى ونوزعها على مَن نعرف ومَن لا نعرف؛ لترى المجتمع سينطلق انطلاقة إصلاحية في حب الخير ونبذ النشر.
ويمكننا أن نستثمره فكرياً وتعليمياً في ضخ القيم ونبذ الأفكار الفاسدة، وأن يكون العيد منصة لإطلاق كل فكرة عظيمة من شأنها أن تخدم المجتمع والإنسانية جمعاء، أن نبدأ صفحة في سجل حياتنا العقلية، أن ننظر إلى الحياة من زاوية عقلية مختلفة.
ويمكننا أن نستثمره نفسياً لإزالة الهموم عن نفوسنا، وأن نطلق لأنفسنا العنان في المرح والضحك واللعب، وأن نخرج من جو العمل المأزوم إلى جو اللعب المليء بالأمل.
ربما لو جلس كل واحدٍ منّا ليتكلم عن كيفية استثمار العيد وكيف يمكننا أن نجعله انطلاقة حضارية لبناء مشاريع اجتماعية وفكرية وتعليمية، لخرجنا بمئات الأفكار على مستوى الفرد والمجتمع.
اليوم واجبنا جميعاً كطلاب ومثقفين وأساتذة وناشطي مجتمع مدني أن نبث رسالة الأمل في مجتمعنا، وخصوصاً في المجتمع الموصلي الذي يعتبر هذا العيد الأول بعد تحرير المدينة بكاملها، أن نرسل رسائل الحياة والبناء، رسالة مفادها أن الحياة حق ومن حقنا أن نعيشها بأمن وسلام، وأن نبذل قصارى الجهد؛ لنجعل الحياة أجمل وتعود الموصل أجمل.
وعلينا أن نرسل رسالة للعالم أجمع أننا رغم أحزاننا سنفرح بالعيد، رغم الألم سنفرح بالعيد، رغم الدمار الهائل سنفرح بالعيد، سنقيم فوق كل بيتٍ مهدوم عيداً، سنقيم في كل بيت شهيد عيداً، سنقيم في كل حي منكوب عيداً، أجل سنقيم عيد الإصلاح والبناء، وسيعمر الأخيار ما دمّره الأشرار.
وأخيراً.. أيها المرهقون بالآلام، افرحوا بالعيد؛ لأن آلامكم تخفُّ بالمواساة فيه.
أيها المثقلون بالأعباء.. افرحوا بالعيد؛ لأن أعباءكم أُلقيت عن عواتقكم قليلاً.
أيها المثخنون بالجراح.. افرحوا بالعيد؛ لأن جراحكم قد وجدت من يضمِّدها.
أيها المحرومون من النعيم.. افرحوا بالعيد؛ لأن أيام حرمانكم قد نقصت فيه بضعة أيام.
أيها الموجعون بالأحزان.. افرحوا بالعيد؛ لأنه أعطاكم أياماً لا تحزنون فيها.
أيها المنهكون بالمصائب.. افرحوا بالعيد؛ لأنه يمنحكم أملاً بانتهاء مصائبكم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.